كما يطيعه في العلانية ، وبين من يتظاهر بطاعته والخوف منه أمام الناس ، ويعصيه في الخفاء (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي من خالف أمر الله بالصيد بعد هذا البيان وإقامة الحجة ـ استحق عذاب الله وعقابه.
وتسأل : إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، فما هو الوجه لقوله تعالى : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ). وقوله : (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ)؟
الجواب : إن الله سبحانه لا يختبر عبده ليعلم منه ما لم يكن يعلم .. كلا ، فانه أعلم به من نفسه ، وإنما يمتحنه لأمور :
«منها» : أن يترجم العبد ما هو كامن في نفسه إلى عمل ملموس ، حيث اقتضت حكمته جل ثناؤه أن لا يحاسب الناس على ما يعلمه منهم ، ولا على ما هو كامن في نفوسهم من القوى والغرائز ، وإنما يحاسبهم على ما يقع منهم من أعمال .. إن الغرائز النفسية من حيث هي لا تستدعي حسابا ولا عقابا ، ما دامت كامنة في باطن الإنسان ، ولا يظهر لها أثر يرى بالعين ، أو يسمع بالأذن. قال الإمام علي (ع) : يقول الله : «واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة». ومعنى ذلك إنه يختبرهم بالأموال والأولاد ليتبين الساخط لرزقه والراضي بقسمه ، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب.
و «منها» : أن يتميز الخبيث من الطيب ، وتظهر حقيقته أمام الناس ، فيعاملونه بما يستحق : (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ) ١٤٠ آل عمران». وكثيرا ما بقع هذا في حياة الناس ـ مثلا ـ أنت تعلم ان زيدا من أهل العلم والمعرفة ، وصادف وجوده بين قوم لا يعرفون منه ما تعرف ، وأردت أن يعلموا مكانه من الوعي والعلم ، فتسأله بمحضر منهم ليتكلم ويعرف .. أو تعلم انه سخيف جاهل ، وهم يظنون انه عالم حكيم ، فتمثل نفس الدور لتظهر لهم سخفه وجهله.