بينهم بخطاب مطول ومفصل يذكره فيه بنعمته عليه وعلى والدته (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) وهو جبريل (تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) تنزيها لأمك من كل شبهة (وَكَهْلاً) أي ان كلامه في المهد كان مثل كلامه ، وهو كهل (وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ) قيل المراد به الخط لأن الكتاب مأخوذ من الكتابة (وَالْحِكْمَةَ) الشريعة (وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي). مر تفسير نظيره في الآية ٤٩ من سورة آل عمران. وكرر سبحانه بإذني أربع مرات للتأكيد على ان الخلق والأحياء والإبراء من الله ، لا من سواه ، وانما أظهر سبحانه هذه الأفعال على يد عيسى (ع) لتكون دليلا على صدقه ونبوته.
قد يظن أو يموه ان عيسى (ع) نبي صغير .. لأنه تكلم في المهد ، أي في حجر أمه ، وهذا جهل أو تدليس .. لأن عيسى إنما تكلم في المهد تبرئة لأمه من قول الآثمين ، لا لأنه رسول من المرسلين .. وإذا كان الله قد أسقط التكليف الخفيف عن الصبيان فهل يكلفهم بالأحمال والأثقال؟ .. (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) ـ ٥ المزمل». ومن يسمع له ويطيع ، وهو في المهد؟. وهل تقوم الحجة لله على عباده بطفل رضيع؟ وأين التعاليم التي بلّغها للناس عن الله ، وهو يلتقم ثدي أمه؟.
إن الأناجيل المعتبرة عند النصارى تنص على ان عيسى بعث في سن الثلاثين ، فقد جاء في إنجيل لوقا الفصل الثالث رقم ٢٣ ما نصه بالحرف : «ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة». وفي شروح على الأناجيل المقدسة المطبوعة مع الأناجيل الأربعة في المطبعة الكاثوليكية سنة ١٩٣٨ ص ٥١٩ ما نصبه بالحرف : «ذكر الانجيليّ ان عمر المسيح كان ثلاثين سنة لما ابتدأ حياته العلنية والبشارة بملكوت الله». وفي بعض كتب المسلمين ما يؤيد ذلك.
وغريبة الغرائب أن تقول أناجيل النصارى : إن دعوة عيسى (ع) ابتدأت