ان الكافرين يرفضون دليل الحق ، ويعرضون عنه ، دون أن ينظروا اليه .. ولو كانوا من طلاب الحقيقة لنظروا إلى الدليل وتدبروه بإمعان ، وعملوا بمؤداه ، أما الرفض والاعراض قبل النظر والدرس فعناد ومكابرة.
اختلف المفسرون في تعيين المراد من الآية التي أعرض عنها ، واستهزأ بها المكذبون : هل هي القرآن ، أو غيره من معجزات رسول الله (ص) ، أو ان المراد بالآية جميع ما أتى به من المعجزات؟. وتنبهت ، وأنا أتابع هذا الاختلاف ، إلى أن الآية التي نفسرها ، وما جاء في القرآن من أمثالها تتضمن معنى أجل مما اهتم المفسرون بشرحه ، انها تتضمن الدلالة على ان الإسلام يقوم على حرية العقل والرأي ، وانه لا يحق لأحد ، كائنا من كان ، أن يطلب من غيره التسليم والإذعان لأقواله تسليما أعمى ومن غير دليل ، حتى خالق الكون جلت كلمته لا يفرض على عباده الإيمان به وبكتبه ورسله فرضا ومن غير دليل ، انه تعالى يقيم الحجة على ما يقوله ويدعو اليه ، ويطلب من كل عاقل أن ينظر فيها ويتدبرها بإمعان ، شأنه في ذلك ، تعالى الله علوا عظيما ، شأن كل عالم منصف وان بعد القياس والتشبيه بين الخالق والمخلوق.
قال تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) ـ ٨ الروم. وقال : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) ـ ٦ ق. وقال : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ـ ٢٤ يونس.
ان هذه الآيات وما اليها تدل دلالة قاطعة على انه تعالى يقيم الدلائل والبينات على دعوة الحق ، ويدعو الى تدبرها والنظر فيها ، فإذا أعرض من لا يؤمن إلا بما يريد فهو وحده المسئول عن جحوده وإنكاره.
(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). قد يتجاهل الإنسان الحق غير مكترث به ، لا يؤمن به ، ولكن لا يؤيده ولا يحاربه ، كما هو شأن اللامبالي ، وقد يقف منه موقف المكذب ، وهذا مكابر ،