النهاية كان لهم على المكذبين ، وهذه السنة تجري عليك ، تماما كما جرت عليهم .. ولا مبدل لكلمات الله.
(وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ). هذه الآية نظير قوله تعالى مخاطبا نبيه الأكرم : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ) ـ ٨ فاطر ، كل منهما تصور الحرقة والألم الذي كان الرسول الأعظم يعانيه من اعراض المشركين عن دعوته ، وكل منهما يهدف الى التخفيف والتسرية عنه صلى الله عليه وآله .. لاقى النبي من قومه ما يذهب بحلم الحليم ، فصبر واحتسب ، ولم يدع عليهم ، بل دعا لهم ، وقال : اللهم اغفر لقومي ، انهم لا يعلمون ومع ذلك كان يتألم ويتوجع لكفرهم ، فخاطبه الله بهذه الآية ليخفف عنه ، وييأس منهم ، ويصرف النظر عنهم ، ثم ينتظر قليلا ليرى كيف تكون عاقبة المكذبين.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى). قال الرازي : يدل هذا على انه تعالى لا يريد الايمان من الكافر ، بل يريد إبقاءه على الكفر.
ويلاحظ بأن هذا هو الظلم بعينه ، والله سبحانه ليس بظلام للعبيد ، والصحيح في معنى هذه الجملة ان الله سبحانه لا يريد أن يلجئ أحدا الى الايمان به ، بل يدع الخيار له بعد أن يقيم الحجة عليه بالدلائل والبينات ، ولو أراد الايمان من عباده بإرادة (كُنْ فَيَكُونُ) ما كفر واحد منهم ، ولكن شاءت حكمته تعالى أن يتدخل في شئون الناس كآمر وناصح ، لا كخالق وقاهر. وسبق التفصيل والتوضيح عند تفسير الآية ٢٦ من سورة البقرة ، فقرة التكوين والتشريع ح ١ ص ٧٢.
(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ). وكيف يكون الرسول الأعظم من الجاهلين ، وأخلاقه أخلاق القرآن؟. وإنما ساغ هذا الخطاب لأشرف الخلق ، لأنه من خالق الخلق ، لا من النظير والمثيل
(إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ). هذه الآية نظير قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ـ ٨٠ النّمل ، والمعنى ان الذين تحرص على هداهم يا محمد لا يسمعون