مصدر متصيد من يكشف ، والمعنى انهم يدعون الله الى كشف العذاب عنهم : (اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ) ـ ١٢ الدخان ، والله سبحانه يكشف عنهم ان شاء ، وان لم يشأ لم يكشف (وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) أي انكم أيها المشركون تتركون يوم القيامة دعوة الأصنام التي كنتم تعبدونها في الدنيا ، وتدعون الله وحده ، حيث يظهر كل شيء على حقيقته.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ). ان الله سبحانه لا يعاقب عباده إلا بعد أن يرسل اليهم رسولا يرشدهم الى طريق الهداية ، فإن لم يهتدوا منحهم الفرصة ليراجعوا أنفسهم ، وامتحنهم بالبلاء ليتضرعوا ويتوبوا ، ولكنهم أصروا على المعصية ، كما قال تعالى في الآية التالية :
(فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ). يقول جل ثناؤه : انهم لم يتضرعوا حين جاءهم بأسنا في الدنيا ، ولم يتذللوا لله ، وينزلوا عن عنادهم ، بل أصروا على الكفر ، وكان الشيطان من ورائهم يزين لهم ما هم فيه من ضلال وفساد.
وتدل هذه الآية على ان الله سبحانه يقبل كل من لجأ اليه ، حتى ولو كان التجاؤه لضغط الشدائد والنوازل .. وهذا هو شأن الكريم والعظيم ، لا يرد سائلا ولا يخيب أملا ، مهما كانت دوافعه.
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ). أنذرهم أولا بالقول على لسان الأنبياء وثانيا بالفعل ، حيث امتحنهم بالبلاء والضراء ، ولما أصروا على الكفر والعناد فتح عليهم أبواب الرزق والرخاء لالقاء الحجة والاستدراج بالنعم بعد الامتحان بالنقم ، ولما فرحوا بالرخاء ، وازدادوا بطرا وكبرا ، ولم يأوبوا إلى رشد أخذهم الله بالعذاب ، من حيث لا يحتسبون ، فتحسروا على التفريط ، وآيسوا من النجاة.
والخلاصة ان الله سبحانه عاملهم بالضراء تارة ، وبالسراء أخرى حبا بهدايتهم تماما كما يفعل الوالد الشفوق بولده طلبا لصلاحه .. ولكنهم لم يشكروا الرخاء ، ولم يتعظوا بالبلاء ، فاستأصلهم عن آخرهم ، ولم يبق منهم واحدا ، ليعتبر بهم