المعنى :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ). الإنسان بسمعه وبصره وقلبه ، فلو زالت هذه عنه لم يكن شيئا مذكورا ، وكان الحيوان خيرا منه .. وليس من شك ان الله قادر على أخذها لأنه خالقها ، والقصد من هذه الإشارة أن يذكر سبحانه الكافرين ان ما يتخذون من دونه آلهة وأولياء لا يدفعون عنهم ضرا ، ولا يجلبون لهم نفعا : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ) ـ ١٢ الرعد.
(انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ). أي أقمنا عليهم الحجة تلو الحجة بأساليب شتى ، ليتعظوا ويعتبروا ، وقطعنا لهم كل معذرة ليذعنوا ويؤمنوا ، فما زادتهم الدلائل القاطعة إلا تماديا في الكفر والغي والعناد.
(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ). مرة ثانية يعظهم الله ويهددهم بإتيان العذاب الذي لا يستطيعون له دفعا ، سواء أجاءهم بغتة ومن حيث لا يحتسبون ، أو جهرة من حيث هم متأهبون له ، مرة ثانية في هذه الآيات يعظهم الله ويهددهم ليتقوا العذاب قبل وقوعه ، ويثوبوا إلى رشدهم ، ولكن قست القلوب ، فلم تمل لحق ولا هداية.
(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ). هذه هي وظيفة الرسول ، يبشر الطائع ، وينذر العاصي ، وهذه الوظيفة على بساطة تحديدها ، ووضوح مفهومها هي من أشق الوظائف ، وأكثرها صعوبة ، لأنها تمس حياة الطغاة مباشرة ، وتعارضهم في مصالحهم ومنافعهم. وتنتهي وظيفة الرسول بثواب من آمن وعمل صالحا ، وعقاب من كفر وكذّب بآيات الله (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). لأن المجرم هو الذي يخاف ويحزن ، أما البريء فهو في أمان واطمئنان. (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ). الفسق أعم من الكفر ، فكل كافر فاسق ، ولا عكس ، والمراد بالفسق هنا الكفر بدليل قوله تعالى : (كَذَّبُوا بِآياتِنا).