اليهود يعترفون بأن التوراة من عند الله ، ومن أجل اعترافهم هذا تقوم الحجة والرد على قولهم : ما أنزل الله على بشر من شيء (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ). أي قل الحق ـ يا محمد ـ ودع اليهود في باطلهم ، ولا تهتم بعنادهم ومرائهم .. وفي هذا تهديد لهم ووعيد ، كما فيه استخفاف بهم واستهانة.
بعنادهم ومرائهم .. وفي هذا تهديد لهم ووعيد ، كما فيه استخفاف بهم واستهانة. وتسأل : ان اليهود يعترفون بنبوة موسى (ع) وانزال التوراة عليه ، كما قدمت ـ اذن ـ كيف نسب الله اليهم انكار الوحي والبعثة من الأساس؟.
الجواب : انهم أنكروا الوحي والبعثة في الظاهر ، دون الواقع عنادا ومكابرة لمحمد (ص) : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) ـ ١٤ النمل.
وبالمناسبة نشير إلى أن أكثر علماء الطبيعة في هذا العصر ، أو الكثير منهم يؤمنون بوجود الله لأنهم رأوا ان هذا الكون الذي يتعاملون معه يسير وفقا لقوانين ثابتة وصريحة تتحكم به ، ولا تحيد عنه بحال ، ومن أجل هذا أمكن رصدها وقياسها والاستفادة منها ، وهذا يحتم وجود قوة عليا وراء الكون تهندس وتبني وهذه القوة هي الله.
وبتعبير ثان ليس من الضروري ليكون الإنسان عالما بوجود الشيء أن يجربه في المعمل ، ويراه رأي العين ، بل يكفي أن يعلم علما لا يتطرق اليه الشك والاحتمال ، سواء أجاءه هذا العلم والجزم من التجربة والعيان ، أم من الاستنتاج العقلي البديهي. وصاحب الفكر والنظر إذا تأمل هذا الكون تأملا علميا مجردا عن كل شائبة ينتهي حتما إلى العلم بوجود الله .. ولكن علماء الطبيعة الذين آمنوا بالله عن علم نفوا أن يكون له رسل من بني الإنسان يوحى اليهم ، وقالوا : ان الطبيعة وحدها هي كتاب الله ، وليس التوراة والإنجيل والقرآن.
ولست أشك ان هؤلاء العلماء لو أعطوا لدراسة القرآن قليلا من الوقت الذي أعطوه لدراسة الطبيعة لاقتنعوا بأن لله كتابين : الكون والوحي ، وانه لا غنى للإنسان بأحدهما عن الآخر ، فمن كتاب الكون يعلم ملكوت الله ، ويؤمن به ،