ومن كتاب الوحي يعلم شريعة الله التي تنير له طريق الحياة ومدارج التقدم فيها ، وتجنبه المهالك والمشاكل التي تعرقل سيره إلى الأمام.
لقد خلق الإنسان ليعمل في هذه الحياة ، ولا بد لكل عامل من منهج يسير عليه في عمله ، لأن الفوضى لا تؤدي الى خير ، والله سبحانه خلق الإنسان ، ويعلم سره وجهره ، وقوته وضعفه ، وما ينفعه ويضره ، فيتحتم ، والحال هذه ، أن يكون هو المرجع الأول للمنهج الذي يجب أن يسير عليه في عمله ، تماما كما هو الشأن في مخترع السيارة والطائرة وغيرهما من الأدوات والآلات ، حيث يحتم الرجوع اليه في استعمالها وطريق الاستفادة منها ، لأنه أعلم بما يصلحها ويفسدها ، وليس من شك ان تبليغ المنهج الإلهي لعباده واعلامهم به ينحصر بالأنبياء والرسل ، لأنهم لسان الله وبيانه ، وهذا هو الوحي بالذات. ومن أراد التفصيل فليرجع إلى كتابنا : الإسلام والعقل ، قسم النبوة والعقل.
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ). هذا ، اشارة الى القرآن الكريم ، والمعنى كما أنزلنا التوراة على موسى كذلك أنزلنا هذا القرآن على محمد (ص) ، وهو كثير النفع والفائدة لمن علم أحكامه وأسراره ، وعمل بها ، وهو أيضا يصدق الكتب السماوية التي نزلت من قبل على أنبياء الله. قال الإمام علي (ع) : تعلموا القرآن ، فانه أحسن الحديث ، وتفقهوا فيه ، فانه ربيع القلوب ، واستشفوا بنوره ، فانه شفاء الصدور ، وأحسنوا تلاوته ، فانه أحسن القصص.
(وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها). وأم القرى هي مكة ، وسميت بذلك ، لأن فيها أول بيت وضع للناس لعبادة الله .. وزعم بعض المستشرقين ، ومن قبلهم اليهود ان محمدا (ص) أرسل للعرب فقط ، واحتجوا بهذه الآية ، وتجاهلوا الآية ١٠٧ الأنبياء : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ). والآية ٢٨ سبأ : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ). ومصدر القرآن واحد ، وكلامه يفسر بعضه بعضا ، وهاتان الآيتان بيان لقوله تعالى : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) وان المراد به أن تبدأ دعوة الإسلام أول ما تبدأ في بلد صاحبها مكة ، حتى إذا صار لها أتباع وأنصار بشروا بها في أرجاء