(وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ). جئتمونا بصيغة الماضي ، ومعناها المستقبل ، أي تجيئوننا ، والمعنى ان الإنسان يلقى ربه غدا كما خرج من بطن أمه ، لا يحمل معه شيئا .. ويا حبذا لو دخل في جوف الأرض كما خرج منها ، لا له ولا عليه .. انه خرج منها ، لا سائلا ولا مسؤولا ، ويعود اليها مسؤولا عما قدمت يداه ، ولكن السائل ، والحمد لله ، عادل لا يظلم أحدا ، ويعامل كل واحد بما عامل الناس في حياته الأولى ان خيرا فخير ، وان شرا فشرّ.
واختلف القائلون بالحشر : هل يحشر الإنسان بروحه فقط ، أو بروحه وجسمه معا ، وظاهر قوله تعالى : (كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يدل على الحشر روحا وجسما ، لأنه خلق بهما معا : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) ـ ١٠٤ الأنبياء.
(وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ). يعود الإنسان الى الأرض تاركا الأهل والأصحاب ، والمال والسلطان. (وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ) لله كالأصنام والكواكب وغيرها مما كنتم تعبدون وتوالون من أهل الفساد والضلال. (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) ، أي لم تبق لكم أية صلة بشيء من أشياء الدنيا (وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) من الدعاوى الكاذبة للذين توهمتم انهم شركاء أو شفعاء عنده ، وخاب أملكم بعد أن تكشفت لكم الحقيقة .. والسعيد من فاز برضوان الله ومغفرته.
(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٩٥) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٩٦) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ