وقيل الخضر هنا بمعنى الأخضر (نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً) ضمير منه يعود الى الخضر ، أي يخرج من الأغصان سنابل كسنابل القمح ونحوها كثمر الرمان الذي يركب بعض حبوبه بعضا (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) طلعها بدل اشتمال من النخل بإعادة حرف الجر ، أي ونخرج من طلع النخل قنوانا ، والقنوان جمع قنو بالكسر ، وهو من النخل كالعنقود من العنب ، ودانية سهلة التناول ، أو ان بعضها قريب من بعض لكثرتها.
(وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ). أي ونخرج من النبات هذه الأصناف الثلاثة ، وذكرها سبحانه على سبيل المثال ، ومنها تعرف البواقي (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) ان من النبات والشجر ما يشبه بعضه بعضا في الشكل والطعم ، ومنه ما لا يشبه بعضه بعضا فيهما (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ).أي اعتبروا كيف يخرج الثمر أول ما يخرج صغيرا لا ينتفع به ، ثم ينتقل من حال إلى حال ، حتى يبلغ النضوج ، فيصير لذيذا نافعا (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). ليس المراد بقوم يؤمنون المؤمنون بالفعل فقط ، بل والذين يستجيبون لدعوة الايمان ، وينتفعون بالدلائل والبينات ، أما أصحاب القلوب المغلقة فيمرون بها مرور البهائم والسوائم.
والخلاصة ان المقصود الأول من هذه الأمثلة الأرضية والسماوية هو التنبه إلى أن أشياء هذا الكون ، وما فيها من إبداع وتدبير ـ محال أن تأتي صدفة وفلتة في نظر الفطرة والعقل ، فهما يحكمان حكما قاطعا بأن كل ما في الوجود قد صدر عن ارادة وتصميم ، ولحكمة بالغة يعرفها العالم والجاهل ولا شيء أدل على بطلان الصدفة ، كمبدأ ، من تكرار الحادثة الواحدة كلما تكرر سببها.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ