بعضهم أولياء بعض ، لأنهم شركاء في الكفر والظلم ، ويوم القيامة يكونون شركاء أيضا في العذاب والعقاب.
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا). هذا السؤال يوجهه الله سبحانه غدا للأشرار من الجن والإنس ، وهو للتأنيب والتوبيخ ، وليس على وجهه وحقيقته ، لأن الله يعلم وهم يعلمون بأن الله قد أرسل لهم رسلا مبشرين ومنذرين : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) ـ ٢٤ فاطر. (قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) حيث لا مجال للإنكار في هذا الموقف .. وفي موقف آخر أفسح لهم المجال فكذبوا ، و (قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) وسبق الكلام عن ذلك في الآية ٢٣ من هذه السورة.
(وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) والمراد انهم هم اغتروا بالحياة الدنيا ، لأن الدنيا ما خبأت شيئا من عظاتها وتقلباتها (وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) ذكر سبحانه أولا انهم قالوا شهدنا على أنفسنا ، ثم عقب على ذلك بأنهم شهدوا على أنفسهم ، والقصد من هذا التأكيد الردع والزجر عن الكفر والمعصية ، لأن من حاول أن يقترف ذنبا إذا أيقن انه سيضطر الى الاعتراف به أحجم ولم يقدم ، ان كان عاقلا.
(ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ). ذلك اشارة الى إرسال الرسل ، والمعنى ان الله عادل لا يظلم أحدا ، ولا يعاقب إلا بعد أن يرسل رسولا يأمر وينهى ، فان لم يأتمر العبد وينته أخبره الرسول بما يحل به إذا لم يتب ويرتدع ، فان أصر عاقبه الله بما يستحق (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) فللمسيئين درجات حسب أعمالهم من السخرية بالغمز الى نهب الشعوب أقواتها وإلقاء القنابل الذرية على الألوف ، وللمحسنين درجات وفق أعمالهم من التحية الى الاستشهاد في سبيل الحق والصالح العام (وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) فكل شيء مسجل كبيرا كان أو صغيرا ، حسنا أو قبيحا.
وتجدر الاشارة الى ما سبق مرارا من اننا نؤمن بوجود الجن اجمالا ، لأن الوحي أثبته ، والعقل لا ينفيه ، تماما كما هو الشأن بالنسبة الى الملائكة ، أما التفاصيل فما زالت في عالم الغيب.