(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ). بعد أن أشار الى إهلاكهم في الدنيا أشار إلى أنهم يسألون في الآخرة ، ويسأل المرسلون اليهم ، ويشهدون عليهم (فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ) ولا يكتفي جل شأنه بسؤالهم وسؤال المرسلين اليهم ، بل هو أيضا يتلو عليهم كل شيء قالوه وفعلوه : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ـ ٦ المجادلة. والقصد من ذلك ان تشتد بهم المحنة ، ويشعروا بنقمة الله وغضبه عليهم جزاء على عصيانهم وتمردهم.
(وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ). كثر الكلام حول حقيقة الميزان الذي يزن الله فيه أعمال الناس ، حتى ان بعضهم قال : ان لهذا الميزان لسانا وكفتين .. والذي نفهمه من هذا الميزان ـ والله أعلم بمراده ـ انه المقياس الذي يميز الطائع من العاصي ، والخبيث من الطيب ، وهذا المقياس هو أمر الله ونهيه ، فإذا جاء أوان الحساب ينظر إلى ما فعل الإنسان وما ترك ، ويقارن بينهما وبين أمره ونهيه تعالى ، فإذا انطبق فعله وتركه على أمر الله ونهيه فهو من الذين ثقلت موازينهم ، وكان عند الله من المفلحين والراجحين ، وإلا فهو من الذين ثقلت موازينهم ، وكان من الظالمين الخاسرين أنفسهم بعذاب الحريق.
وبتعبير ثان : ان لكل شيء في هذه الحياة أصولا ، وضوابط علما كان أو أدبا أو فنا أو غير ذلك ، وبها يتميز الشيء عن غيره ، بل ويعرف جيده من رديئه ، وتسمى تلك الأصول والضوابط ميزانا ومقياسا ومنهاجا وحكما ، وكذلك الحساب في الآخرة له أصول وضوابط ، أو أطلق القرآن عليها كلمة الميزان ، وكلمة الصراط ، وهذه الأصول والضوابط ، أو الميزان لأعمال الناس وأهدافهم هو أمر الله ونهيه ، فشأنهما في محاكمة الإنسان غدا كشأن الفقه والقانون في محاكمة المدعى عليه في هذه الحياة.
(فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) وهم الذين محصت أعمالهم على أساس أوامر القرآن ونواهيه فجاءت كاملة وافية (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) لأنهم لم يعثروا في الامتحان