(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) وهم الذين ظهر البعد والتباين بين أعمالهم ، وبين أحكام الله وتعاليمه (فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ). قال كثير من المفسرين: ان المراد بالظلم هنا الكفر ، والصحيح انه التكذيب بآيات الله مطلقا ، كما هو ظاهر الآية ، سواء أدلت تلك الآيات على وحدانية الله ، أم على رسالة رسله ، أم البعث ، أم على حلاله وحرامه.
(وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ). بعد أن أمر سبحانه المشركين بقوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وخوفهم من عذاب الدنيا بقوله : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) ومن عذاب الآخرة بقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ) بعد هذا كله ذكرهم سبحانه بنعمه عليهم ، وانه هو الذي مكنهم في هذه الأرض ، وأعطاهم القدرة على تطويعها واستخدامها في مصالحهم ، قال أحد المفسرين الجدد :
لو لا تمكين الله للإنسان في هذه الأرض ما استطاع هذا المخلوق الضعيف أن يقهر الطبيعة .. وإلا كيف يمضي ، والقوى الكونية الهائلة تعاكس اتجاهه ، وهي بزعم الملحدين والماديين التي تصرف نفسها بنفسها ، ولا سلطان وراء سلطانها.
(وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١) قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢) قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣) قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)