(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ). المراد بالرسول محمد (ص) ، فإنه بيّن لليهود والنصارى فيما بيّن بعض ما أخفوه من الكتاب الذي معهم ، فالنصارى أخفوا التوحيد ، وهو أساس الدين ، واليهود أخفوا من العقيدة خبر الحساب والعقاب يوم القيامة ، ومن الشريعة تحريم الربا ، ورجم الزاني ، كما أخفى اليهود والنصارى معا بعثة محمد : (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) ـ ١٥٦ الأعراف».
لقد أطلع الله سبحانه محمدا (ص) على كل ما أخفاه وحرّفه اليهود من التوراة ، والنصارى من الإنجيل ، ثم أخبرهم محمد (ص) بكثير مما كانوا يخفون ، وسكت عن كثير مما يعلم من تحريفهم ، وهذا معنى قوله تعالى : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ). أي يسكت عنه.
وجاء هذا الإخبار من محمد (ص) دليلا قاطعا على نبوته ، ومعجزة من معجزات القرآن التي لا ينبغي لعاقل أن يرتاب فيها ويشك ، لأن النبي (ص) كان أميا لم يقرأ كتابا ، ولم يخبره أحد عما في كتب اليهود والنصارى.
وتسأل : لما ذا أخبرهم النبي بالبعض فقط ، دون الجميع؟
الجواب : ان الغاية هي اعلامهم بأن الرسول عالم بما يخفون ، وهذه الغاية تحصل بالأخبار عن البعض ، كما تحصل بالأخبار عن الكل .. هذا ، الى انهم إذا علموا بأنه (ص) عالم ببعض ما أخفوه فقد علموا بأنه عالم بالكل.
(قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ). قيل : النور محمد ، والكتاب القرآن. وقيل: هما وصفان للإسلام .. ولا اختلاف بين القولين الا في التعبير ، فان محمدا والإسلام وكتاب الله معان متلازمة متشابكة ، لا ينفك بعضها عن بعض.
(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ). أي من رغب في مرضاة الله وحده ، وطلب الحق لوجه الحق فانه يجد في الإسلام بغيته ومرامه ، لأن فيه ثلاث فوائد :