وأعوذ بك مستجيرا ، بل المراد به أن يكون صادقا مخلصا لله فيما يقول ويفعل ، أما خفية فمعناها أن لا يباهي بما يفعل من خير ، ويعلنه على الملأ ، فان هذا ضرب من الاعتداء ، والله يقول : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي المتجاوزين ما أمر به ، وما نهى عنه ، وقد نهى سبحانه عن المباهاة بالعبادات ، وفعل الخيرات.
(وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها). أصلح الله هذه الأرض بما أودع فيها من كنوز لا تحصيها كثرة من الطيبات والمتع الروحية والمادية .. فمن مباهج الطبيعة إلى جمال المرأة ، ومن وفاء الأصدقاء إلى بر الأبناء ، ومن نشوة المعرفة والاطلاع إلى وشوشة الألحان والأنغام .. إلى ما لا نهاية.
أما الطيبات المادية فمن المأكول الحبوب والخضار واللحوم والفواكه ، وفي كل نوع من هذه أشكال وألوان ، ومن الملبوس الصوف والقطن والجلد والحرير ، ثم اكتشف الإنسان النايلون ، وسيكتشف بعد ما نظنه من الممتنعات والمستحيلات ، تماما كما اكتشف واخترع الأعاجيب لطئ الأرض والسماء ، وعبور القارات في دقائق ولحظات ، أما الوقود فمن الشجر إلى الفحم الحجري ، ومن البترول الى الكهرباء ، إلى حرارة الشمس والذرة .. وقرأت فيما قرأت ان العلم استخرج من البترول المطاط الصناعي للاطارات ، والزجاج غير القابل للكسر ، وقنابل النابالم والنايلون ، والأسمدة الكيماوية ، والأطباق ؛ وأنابيب الري بالرش ، ومساحيق التجميل ، ومناضد الحدائق ، وأغطية الموائد ، والزهور الصناعية ، وأحمر الشفاه وكحل العيون ، وطلاء الأظافر ، والملابس الداخلية ، وفرشاة الأسنان ، وحبر المطابع ، والأفلام ، إلى ثلاثة آلاف صنف أحصاها الخبراء ، بل إلى ما لا يحصيه عدا إلا من أحاط بكل شيء علما : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) ـ ٣٤ ابراهيم.
ان الإنسان لظلوم كفار .. جاءت الآية بصيغة المبالغة ، مع تأكيدين لهذه المبالغة : أولهما بأنّ ، وثانيهما باللام .. وأي شيء أكثر ظلما وكفرانا ، وأعظم