سوء العاقبة ان تعرضوا لها بأذى ، ثم قال لهم : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ). أهلك الله عادا بذنوبهم ، وأورث ثمود أرضهم وديارهم ، فذكرهم صالح بنعمة هذا الاستخلاف ، وأيضا ذكرهم قائلا : (وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً). ويدل هذا النص على إيجازه ان ثمود كانت تعيش في حضارة عمرانية واضحة المعالم ، وانها كانت في نعمة ورفاهية (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). آلاء الله نعمه ، ومعنى لا تعثوا في الأرض مفسدين لا تسعوا في الأرض فسادا .. بعد أن ذكر صالح قومه بما أسبغ الله عليهم من النعم أمرهم أن يتذكروا ويشكروا نعم الله ، ونهاهم عن الفساد .. وفي ذلك تحذير لهم من بأس الله وعذابه.
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ). أصر المترفون من قوم صالح على التمادي في الطغيان ، والتعصب لعبادة الأوثان ، أما المستضعفون فمنهم من آمن ، ومنهم من بقي على الشرك تبعا للمترفين ، فقال هؤلاء لمن آمن من الفقراء المستضعفين :
(أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ)؟. سألوا المستضعفين هذا السؤال مستنكرين ومهددين ، أو ساخرين مستهزئين.
(قالُوا) ـ أي المستضعفون ـ (إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ). قالوا هذا غير مكترثين بالتهديد والاستهزاء ، لأنهم على يقين من دينهم ، وثقة من أمرهم.
(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) ـ للمؤمنين المستضعفين ـ (إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ). على الرغم من الدلائل والبينات القاطعة على نبوة صالح ، لأن مصالحهم فوق الأديان السماوية ، والبراهين العقلية ، قال الرازي : هذه الآية من أعظم ما يحتج به على ان الاستكبار انما يتولد من كثرة المال والجاه ، لأن هذه الكثرة هي التي حملتهم على التمرد والإباء والكفر.
(فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ). وكشف هذا العتو عن حقيقتهم وذات أنفسهم ، وانهم لا يكترثون إلا بصالحهم وحده لا شريك له .. وقد تحدوا صالحا باستعجال العذاب (وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). ولم يمهلهم سبحانه جزاء لهذا العناد (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ).