لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي). ولو اكتفى السحرة بقولهم : رب العالمين لدلّس فرعون وحرّف ،وقال: اياي يعنون برب العالمين ، فقطعوا الطريق على تدليسه وتحريفه بقولهم : رب موسى وهرون.
في المجلد الأول ص ١٦٤ تكلمنا عن السحر بعنوان السحر وحكمه ، وقلنا فيما قلنا : نحن مع الذين لا يرون للسحر واقعا ، وأقمنا الدليل على ذلك ، ونعطف الآن على ما سبق ما يلي :
ان قوله تعالى : سحروا أعين الناس دليل واضح ان السحر لا واقع له ، وانه شعوذة وتمويه ، أما قوله سبحانه : وجاءوا بسحر عظيم فمعناه ان ما جاءوا به عظيم في ظاهره ، وفي أعين الناس ، وانهم قد بلغوا النهاية في الشعوذة والتزوير ، ويوضح هذا المعنى ويؤكده الآية ٦٦ من سورة طه : (فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى). انها لا تسعى حقيقة وواقعا ، بل توهما وتخيلا .. وعن الرسول الأعظم (ص) : من مشى الى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه فقد كفر بما أنزل الله.
وقال كثير من المفسرين : ان سحرة فرعون احتالوا لتحريك الحبال والعصي بما جعلوا فيها من الزئبق حتى تتحرك بحرارة الشمس .. وأيا كان السبب فنحن نؤمن ايمانا لا يشوبه ريب بأن الساحر كذاب لا يصدقه إلا مغفل ، وان ما أتى به سحرة فرعون ، ويأتي به الهنود وغير الهنود من الأعمال المدهشة لها سبب من غير شك ، ونحن وان كنا نجهل نوع هذا السبب فانا نعلم علم اليقين بأنه لا يغير الواقع ، ولا يبدل منه شيئا ، والا استطاع الساحر أن يدفع عن نفسه الضر ، ويملك لها النفع ، ويحكم العالم بأسره بمجرد ارادته وتمتماته ، وكان شريكا لله في ملكه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
(قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ). أرأيت الى هذا المنطق؟ انه يريدهم أن يستأذنوه في شئون قلوبهم من الإيمان والحب والبغض .. ولا انسان