وعقد في هذا الكتاب فصلا خاصا بعنوان «النصرانية كما هي عند النصارى وفي كتبهم» ، ومما جاء فيه ان القس بوطر ألّف رسالة أسماها «الأصول والفروع» قال فيها : «ان في اللاهوت ثلاثة أقانيم ، ولكل منهم عمل خاص في البشر». وتقدم الكلام عن الأقانيم الثلاثة عند تفسير الآية ٥٠ من النساء.
وتسأل : ان النصارى يؤمنون بالتثليث والوحدانية في آن واحد ، لأنهم يقولون «بسم الأب والابن والروح القدس إلها واحدا» ، فكيف يمكن الجمع بين الوحدانية والتثليث ، كيف يكون الواحد ثلاثة ، والثلاثة واحدا؟
وأجاب المسيحيون أنفسهم عن ذلك بأن العقيدة فوق العقل ، وهم يربون صغارهم على ذلك ، ويقولون لهم : إذا لم تفهموا هذه الحقيقة الآن فإنكم سوف تفهمونها يوم القيامة.
وبهذه المناسبة نشير الى أن الأشاعرة من المسلمين قالوا : ان الله قد أراد الكفر به من العبد ، ومع ذلك يعاقبه عليه .. فإذا كان قول النصارى : الثلاثة واحد غير معقول فان قول الأشاعرة : الله يفعل الشيء ثم يعاقب عبده عليه غير معقول أيضا.
أما المسلمون فيؤمنون ايمانا جازما بأن كل ما يقره العقل يقره الدين ، وما يرفضه العقل يرفضه الدين ، ويروون عن نبيهم انه قال : أصل ديني العقل .. وان رجلا سأله عن معنى البر والإثم؟ فقال له : استفت قلبك ، البر ما اطمأنت اليه النفس ، واطمأن اليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس ، وتردد في الصدر ، وان أفتاك الناس وأفتوك.
(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). هذه الآية من أقوى الردود على المسيحيين ، وأصدق الأدلة على عدم ألوهية المسيح ، لأن الله سبحانه إذا ملك القدرة على هلاك المسيح فلا يكون المسيح ، والحال هذه ، إلها ، وان لم يملك الله القدرة على هلاكه فلا يكون الله إلها ، والمفروض انه إله ، فيكون قادرا على هلاك المسيح.