اللهم أنت ثقتي في كل كرب ، وأنت رجائي في كل شدة ، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة ، كم من كرب يضعف فيه الفؤاد ، وتقل فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو أنزلته بي ، وشكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك ، ففرجته عني وكشفته ، فأنت ولي كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ، ومنتهى كل رغبة.
(قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) ممن يستحق العذاب ، لأن مشيئة الله لا تجري إلا بالحق والعدل ، ولا عبث ولا ظلم عند الله ، قال الرازي : قرأ الحسن أصيب به من أساء بالسين لا بالشين ، واختار الشافعي هذه القراءة.
يطلق القرآن رحمة الله على عنايته ، وعلى ثوابه ، ومعنى العناية منه جل ثناؤه ان الموجودات بكاملها ، حتى إبليس تفتقر اليه سبحانه في بقائها واستمرارها ، كما تفتقر اليه في أصل وجودها ، وانه هو الذي يمدها بالبقاء في كل لحظة من لحظات استمرارها في الوجود ، بحيث لو تخلى عنها طرفة عين فما دونها لم تكن شيئا مذكورا ، وأوضح تفسير لهذه الرحمة والعناية الآية ٤٥ من سورة فاطر : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ).
وهذه الرحمة هي المراد من قوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) حتى إبليس اللعين. أما الرحمة بمعنى الثواب فان الله سبحانه يمنحها لمن آمن واتقى ، وإليها أشار بقوله : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ) المعاصي ، ويمتثلون أمر الله ونهيه (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) وذكر الزكاة دون الصلاة ، لأن الإنسان يطغى ان رآه استغنى. (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَ). أي ان رحمة الله التي هي بمعنى الثواب لا ينالها إلا من اتقى الله ، وآتى المال على حبه ، وآمن بنبوة محمد (ص) إذا بلغت اليه رسالته .. وخص المال بالذكر لما أشرنا اليه ، ولأن الحديث عن اليهود ، والمال ربهم الذي لا إله سواه عندهم وقد وصف الله محمدا (ص) في هذه الآية بالصفات التالية :