فالمراد بأن الغيب لله وعند الله انه لا طريق الى معرفته بالتجربة ، ولا بالعقل ولا بأي شيء إلا بالوحي منه تعالى ، وهو يوحي بشيء من غيبه إلى من ارتضى من رسول حسبما تستدعيه الحكمة وحاجة الناس ، والرسول بدوره يخبرهم بهذا الغيب كما تلقاه من الله .. وعلى هذا فلا يكون إخبار الرسول به علما بالغيب ، بل نقلا عمن يعلم الغيب ، والفرق بعيد بين مصدر العلم ، وبين النقل عن مصدره ، لأن الأول أصل ، والثاني فرع ، وأيضا فرق بين من ينقل عمن نقل عن الأصل مباشرة ، وبين من ينقل عن هذا الناقل .. (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ـ ٣٢ البقرة.
وهذه الآيات دليل قاطع على فساد ما تقوله الصوفية من ان نفس الإنسان بنحو من الرياضة تنعكس فيها المغيبات .. وقد أسموا هذا الانعكاس علما لدنّيا .. ولست أدري كيف جمع الصوفية بين الإيمان بالله ورسالة محمد (ص) ، وبين الاعتقاد بهذا العلم الدنّي؟.
وأعجب من هذا ما قاله ابن العربي في الجزء الثالث من الفتوحات المكية الباب ال ٣١١ : ان من أحب الله حبا خالصا يستطيع أن يحول نفسه الى أية حقيقة شاء من حيوان أو شجر أو حجر أو ماء .. وقد حدث هذا بالفعل ، ذلك ان بعض المحبين من أهل هذه الطريقة ـ أي الصوفية ـ دخل على شيخ وحوّل نفسه بين يديه الى كف من ماء .. ولما قيل للشيخ : دخل عليك فلان ولم يخرج ، فأين هو؟. قال لهم : هذا الماء هو.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً