(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ). قد يوهم ظاهر الآية ان مجرد المشاركة في الكفر بين اثنين تستدعي بطبيعتها ان يناصر كل منهما الآخر .. وهذا لا ينطبق على الواقع ، فان تاريخ أهل الكفر بعضهم مع بعض تاريخ حروب ودماء .. وكذلك تاريخ المسلمين .. وقد دلتنا التجارب ان المصلحة هي التي تجمع وتفرق ، أما مجرد المشاركة في الألفاظ والأسماء الدينية ، كمسلم ومسيحي فقد يكون لها شيء من الأثر ، ولكنه لا يبلغ حد الولاية ، أي يتولى كل واحد يحمل هذا الاسم من أمر صاحبه وشريكه فيه ما يتولى من نفسه إلا إذا تجرد عن كل غاية إلا الغاية الدينية ، بحيث يضحي بجميع مصالحه ، حتى بنفسه وأهله وماله في سبيل دينه ومعتقده ، وهذا هو المراد من قوله تعالى عن المهاجرين والأنصار : (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ). وقوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) ـ ٧١ التوبة. أي ان الأمر بالمعروف عندهم هو المصلحة.
أما المراد من قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ). وقوله : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ـ ١٨ الجاثية. وقوله : (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) ـ ٦٧ التوبة. أما المراد من هذه الآيات فهو ان الكفار والظالمين والمنافقين يتفقون يدا واحدة ضد الحق ، على ما بينهم من العداء والتناقضات ، لأن المصلحة المشتركة تجمعهم وتوحد صفوفهم ، وهي الدفاع عن المنافع والامتيازات ، وقد تكرر ذلك مرات ومرات قديما وحديثا ، فمن التاريخ الحديث تكتل المستعمرين والمستغلين ضد الشعوب والثورات الوطنية ، على ما بين الدول الاستعمارية ، والشركات الاحتكارية من التنافس على الأرباح ، ومن القديم اتفاق مشركي العرب ويهود الحجاز والمنافقين ، اتفاقهم وإجماع كلمتهم على محاربة الإسلام والمسلمين ، ولا دافع إلا المصالح المشتركة ، فلقد بلغت العداوة بين المشركين واليهود الغاية قبل الإسلام .. وبهذا نفسر قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ). أما ما ذهب اليه أكثر المفسرين من أن المراد به ان الكفار يرث بعضهم بعضا ،