بالتوراة ، وصدق هو التوراة بأقواله وأعماله ، ونقلوا عنه في أناجيلهم أنه قال : «ما جئت لأنقض الناموس ـ أي شريعة التوراة ـ وانما جئت لأتمم». أي لأزيد عليها من الأحكام والمواعظ.
(وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ). شأن كل كتاب إلهي ، وكل نبي من أنبياء الله ، والإنجيل الذي وصفه الله بالهدى والنور هو الإنجيل الذي نطق بالتوحيد ، ونفى التثليث ، وأقر بنبوة محمد (ص) (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ) التي تأمر بالعدل والإحسان ، ولا تبيح القتل والسلب.
(وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ). وتسأل : ان الله سبحانه وصف الإنجيل الذي أنزله على عيسى بالهدى والنور ، ثم وصفه ثانية بالهدى والموعظة للمتقين فما هو الوجه لتكرار وصفه بالهدى في آية واحدة؟.
الجواب : إن الهدى الأول جاء وصفا لطبيعة الإنجيل من حيث هو بقطع النظر عن العمل به ، والهدى الثاني جاء وصفا له من حيث العمل به ، أي ان هذا الذي في الإنجيل إنما ينتفع به ويتعظ بمواعظه المتقون ، فهو تماما كقولك : إنما ينتفع بالنور ذوو الأبصار ، قال الإمام علي (ع) : «ربّ عالم قتله جهله وعلمه معه لا ينفعه». لأنه لم يعمل بعلمه ، ونكرر القول : إن المراد بالإنجيل في الآية الإنجيل الذي ينزه الله عن الولد والصاحبة ، وينفي الربوبية عن عيسى (ع) ويبشر بنبوة محمد (ص).
(وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ). أهل الإنجيل النصارى ، وأهل التوراة اليهود ، وأهل القرآن المسلمون ، وقد أمر الله سبحانه كل من يدين بدين ، ويؤمن بكتاب من كتب الله سبحانه أن يعمل به ، ويلزم نفسه بأحكامه ، ومن خالف فهو مفتر كذاب ، يهوديا كان أو نصرانيا أو مسلما. ولا ميزة لطائفة دون طائفة ، وإنما خص أهل الإنجيل بالذكر لأن الحديث عنهم.
قال سبحانه في الآية المتقدمة ٤٤ : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). وقال في الآية ٤٥ : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ