(وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً). أي لا تقاتلوا أحدا قصد بيت الله ، سواء أقصده للعبادة أم التجارة. (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا). لأن الصيد يحرم في حال الإحرام ، وفي ارض الحرم مطلقا ، فإذا لم يكن الإنسان محرما ولا في أرض الحرم فالصيد وأكل المصيد حلال ، لزوال المانع .. والأمر في قوله : (فَاصْطادُوا) للاباحة ، لأنه ورد بعد النهي.
(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا). في سنة ست للهجرة كان المشركون هم المسيطرين على مكة والبيت الحرام ، وأراد النبي والصحابة أن يزوروا البيت في هذه السنة فصدهم عنه المشركون ، وفي حجة الوداع كانت السيطرة على مكة والبيت للمسلمين ، فنزلت هذه الآية ، ومعناها لا ينبغي لكم أيها المسلمون أن يحملكم بغض المشركين لكم ، أو بغضكم لهم على أن تمنعوهم عن البيت الحرام بعد أن أظهركم الله عليهم ، لأنهم منعوكم من قبل. وقد كان هذا قبل أن تنزل الآية ٢٩ من سورة التوبة : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا).
وتسأل : ألم يقل الله سبحانه : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) ـ البقرة ، ١٩٤؟
الجواب : ان هذه الآية نزلت في القصاص ، والمعاملة بالمثل في موارد خاصة ، كالحرب وقطع الأعضاء ، أي من قاتلكم فقاتلوه ، ومن قطع يد غيره تقطع يده ، وما الى ذلك .. أما من منع وصد عن عبادة الله والتجارة والزراعة فلا يجوز أن يمنع هو عن ذلك ، بل يجازى بعقوبة أخرى.
والخلاصة ان جزاء المعتدي قد يكون بالمثل ، وقد يكون بغيره ، وفي سائر الأحوال ينبغي أن يكون الجزاء انتصارا للحق ، لا تشفيا وانتقاما.
(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ). من الألفاظ التي كثر تداولها اليوم على ألسنة المتكلمين ، وأقلام الكتّاب لفظ الثورة والثورة المضادة .. ويعنون بالثورة تعاون المخلصين ونضالهم ضد التخلف والأوضاع