(كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ). إن كلمة الحرب وضعت أول ما وضعت للقتال ، واستعملت في هذا المعنى قرونا طوالا ، وبمرور الزمن تطورت ، حتى أصبحت تدل الآن على ضد السلم والأمن والرخاء ، فأي بلد يخشى على نفسه من احتلال دولة أقوى منه ، أو ارتفعت أسعار المعيشة فيه لقتال في بلد من البلدان فهو في حالة حرب ، وإن لم تسل الدماء على أرضه ، لأنه قد تأثر بذاك القتال ، وأفقده الكثير من أمنه وراحته.
وبعد هذه الإشارة نتساءل : هل المراد بالحرب في الآية خصوص القتال أو ما يشمل الأمن والرخاء؟ ثم إذا كان المقصود هم اليهود كما قال المفسرون فبماذا يجاب عن حرب ٥ حزيران سنة ١٩٦٧ التي أوقد اليهود نارها ، ولم تخمد ، حتى الآن؟
الجواب : أما كلمة الحرب في الآية فإن المراد منها خصوص القتال ، لأن هذه الكلمة لم تحمل غير هذا المعنى يومذاك. أما حرب ٥ حزيران فنجيب عنها بما يلي :
١ ـ اتفق المفسرون على أن المراد باليهود خصوص من كان يهم بالكيد لرسول الله والمسلمين ، فقد جاء في كتب السيرة النبوية إن يهود المدينة تحالفوا مع المشركين ضد النبي وصحابته ، وأن منهم من سعى لتحريض الروم عليهم ، كما ان بعضهم كان يؤوي أعداءهم ويساعدهم.
٢ ـ لو سلمنا ـ جدلا ـ ان المراد كل اليهود في كل عصر أخذا بظاهر العموم فان حادثة ٥ حزيران لم تكن حربا بالمعنى المعروف لهذه الكلمة ، وإنما كانت اغتيالا وغدر جبان ، فحتى ليلة الغدر كانت تؤكد إسرائيل وواشنطن انهما لم تبدءا بالهجوم ، بل وبعد الغدر أذاعت إسرائيل ان العرب هم البادئون ، ثم ظهرت الحقيقة .. على أن حرب ٥ حزيران لم تكن بين العرب واليهود ، وإنما كانت في واقعها بين العرب والولايات المتحدة ، فهي مهندس العدوان ، والآمر به ، ومصدر السلاح والمال ، وصانع الخديعة السياسية ، والمحامي والحارس ، أما إسرائيل فقد مثلت دور الجندي المطيع.