ملاحو سفننا الخمس التعبير عن أكرامهم له فرموا في الماء خبزا وتمرا للأسماك على سبيل الصدقة.
كان الهواء حتى ذلك الوقت حسنا خلال سفرنا كله ، سواء في الفرات ، أم هنا في دجلة. ولكن أعتبارا من هذه المنطقة هبت علينا من النهر رائحة غريبة كتلك التي نشعر بها في البندقية في حي «مارغيرا» (١) وكانت بالحقيقة مزعجة جدّا (٢). أضف إلى ذلك أننا إذ كنا نسير ليلا هبت ريح قوية على الشراع فدفعت السفينة إلى أحد فروع النهر الهادر حيث توجد لجج خطيرة لم ينتبه إليها الربان بسبب ظلام الليل الدامس. وإذا بنا ضحية ريح عاتية ومياه جارفة قاتلة فتملكنا خوف رهيب إذ أوشكت السفن أن تتحطم فتصبح لقمة سائغة بيد اللصوص. ومن المؤكد أن نهايتنا باتت قريبة لو لم تسرع لنجدتنا السفن الأخرى التي بقيت خلفنا ولاحظ ركابها الورطة التي وقعنا بها ، فأسرعوا ورموا لنا الحبال وخلصونا من ذلك المأزق.
تحط قرب الماء في تلك النواحي أعداد كبيرة من طيور النورس والبلقشة والسمان فتغطي المناطق القريبة من هناك.
__________________
(١) محلة في البندقية الماء فيها عفن لقلة حركته.
(٢) أرى أن الريح المزعجة تهب من الأهوار.