تندفع السفن إلى الأمام بقوة المجاذيف ، ترجع إلى الوراء بقوة المياه المتصاعدة من جراء المد.
كان الريف القريب من هناك مأهولا بالسكان. وكانت تسرح فيه ـ على ما قيل لنا ـ في الأزمنة الغابرة خيول ذات شعر أخضر وعيون صفر (١).
كانت تطير فوق مراكبنا في هذا المكان أسراب هائلة من الذباب الأبيض ، وكان لسعها أشبه بوخز الزنبور ، بل كوخز الأبر. كم كانت مزعجة ومضرة في الوقت نفسه.
توقفنا في ذلك المكان حتى الساعة الثالثة ليلا ، لأن المياه كانت تزداد بفعل مد البحر ؛ ولما رحلنا أخيرا من هناك نحو منتصف الليل ، وصلنا إلى مدينة تسمى «القرنة» التي يديرها سنجق يستوفي ٢٥ شاهيا عن كل مركب يمر من هناك ، وشاهيين عن كل حمل ما عدا الثياب الوبرية (الأجواخ) والمخملية ، إذ يطلب عن كل حمل أربع شاهيات. ولقد توقفنا هناك إلى الساعة الثالثة من نهار اليوم التالي وهو ٢٠ آذار.
رحلنا من هناك ، وبعد مسافة غير بعيدة رأينا فرعا
__________________
(١) لعله ينوه بالحمار الوحشي المسمى الاخدر والاخدري (أنظر معجم الحيوان لمعلوف : ص ٩٨). أو إنه نقل رواية شعبية سمعها من المسافرين.