الفصل العاشر
مدينة دير الزور
تنفيذا للأمر الحاسم والجيد الذي أصدره الباشا نجل محمد باشا استطعنا أن نتحرر من محتجزنا الطويل فتحركنا ظهر اليوم السابع والعشرين من أيلول فأمضينا عدة أيام وقطعنا مسافات بعيدة ونحن لا نرى على البر ما يستحق الذكر سوى أكواخ قليلة من القش انتشرت هنا وهناك يسكنها الأعراب مع عوائلهم ليحموا بها أنفسهم من الحر والمطر والندى الذي يكون في هذه الأصقاع أكثر وقعا.
لقد دهشت من هذه الحياة التي يحياها أولئك الناس البائسون مع ذلك العدد الكبير من الأطفال في هذه البقاع الرملية الجافة وهم لا يملكون شروى نقير. فقد وجدت هؤلاء الناس يعيشون في ضنك شديد. وكثيرا ما كنا نشاهد البعض منهم يقبل علينا سباحة في النهر ويتقبل منا ما نقدمه إليه من مآكل.
وبعد أن استمر ظهور هذه الصحارى الرملية زمنا طويلا اجتزناها في النهاية إلى تلال مقفرة عالية لم نر فيها أثرا لأرض مزروعة ولا مروج ولا بيوت أو مستقر بل حتى ولا موطأ قدم ، ذلك لأن الناس الفقراء الذين يعيشون هنا لا يسكنون البيوت بل يسكنون الكهوف والخيام كما هي حالهم في الصحراء.