من جنبه » لأنّها قضية العدل الذي هو أساس الاستقرار الاجتماعي في كلّ مجتمع إنسانيّ متحضّر ، تحكمه قيم وأعراف ودساتير .
والعدل ، في آخر الأمر ، إرادة ، لأنّها هي التي تقيمه في سياسة المجتمعات الإِنسانية في الداخل والخارج ، وفي سياسة الاقتصاد والتعليم ، فمن هنا عدت إلى لبّ لباب الكتاب ، فوجدته في العناية بجوهر الإِنسان ، أعني الإِرادة كما قلت ، باعتبارها السبيل إلى تحقيق إنسانيته : بتحريره من الشهوات ، وإقامة العدل الذي يكون به وحده حفظ الحياة وازدهارها .
لقد كان من قدر الإِمام عليّ بن أبي طالب ( وهو القدر الذي تنبني على مثله أقدار خطيرة تتحدّد بها وجهة التاريخ في أعمار الْأُمم ) ، أن يعيش في أصعب مراحل التاريخ ، فالفتن تأخذه من كلّ جانب بعد مقتل عثمان :
١ ـ معاوية والْأُمويّون وفن انحاز إليهم ، وقد اهتبلوا فرصة القتل ، فرفعوا القميص ، ولوّحوا للناس بالدنيا بعد أن انساحت خيرات الفتوح ، وتفتّحت شهوات النفوس بعد انحباس طويل ، وتفتّقت الأطماع التي قرّبها افتقاد معنى الشرع ، فأصبح أقوى الناس أكثرهم قدرة على تجاوز الحقّ ، وأضعفهم أكثرهم تحرّجاً من مساس الحدود .
٢ ـ والخوارج ، وهم في الأصل أصحاب عليّ ، الّذين رفضوا التحكيم الذي نهى هو عنه ، فكانوا ، في حساب النتائج السياسية ، عوناً لمعسكر معاوية .
٣ ـ والطامعون في الخلافة الّذين أغرتهم بها الفرصة السانحة ، ورأوا أنّ حقّهم فيها أقرب من حقّ معاوية ، وقريب من حقّ عليّ .
٤ ـ والانتهازيّون الّذين يركبون موج الأحداث ، ويتصيّدون غنائمها .
ففي هذه المرحلة أدرك الإِمام عليّ أنّ جذور الفتنة تضرب في أعماق النفس ، فتوجّه إليها في خطبه وكتبه ومواعظه على السواء ، ومن يقرأ ما في كتاب النهج منها تنكشف له هذه الحقيقة التي هي أُمّ الحقائق فيه :
|
« أيّها الناس ! لا تستوحشوا في طريق
الهدى لقلّة أهله ، فإنّ الناس قد |