الزمان ، وجارت على بعضه يدُ الإِنسان .
قال العلّامة السيّد نعمة الله الجزائري ـ رحمه الله ـ في كتابه « مسكّن الشجون في جواز الفرار من الطاعون » : في سنة ١١٠٢ أصابَ الطاعون مدينة الدورق ، فأهلك عدداً كبيراً من العلماء والْأُدباء والصالحين والأتقياء ، فعطّلت المدارس وخلت المساجد فسمِّيت تلك السنة بعام الحُزن .
وطبيعيٌّ أنّ نكبة كهذه التي يذكرها السيّد الجزائري تترك الآثار النفيسة ضائعةً ، إذ لا يعرف قدرَ العلم إلّا العالم ، ولا يقيم وزناً للأديب إلّا الأديب .
ثُمّ جرت بعد تلك النكبة حوادث لا طائل من ذكرها ، كانت سبباً لضياع معظم ذلك التراث القيّم ، إلى أن انتقل الناس من الدورق القديمة إلى مدينة الفلاحيّة حدود سنة ١١٦٠ هـ ، وذلك إبّان ظهور الإِمارة الكعبيّة في الدورق ؛ وكان الكعبيّون شيعةً اثنا عَشريّين ، يوقَّرون العلماء ويعظّمونهم ويعطفون على الشعراء والْأُدباء .
ولهذا ، فقد أخذت الحركة العلميّة والأدبيّة تستعيد نشاطها في الفلاحيّة من الدورق بعد أن أُصيبت بالتفكّكِ والخمول في الدورق القديمة .
ونظراً لِما كان يولونه حُكّام كعب من إكرام وحفاوةٍ بأهل العلم والفضيلة ، وما يبدون من ودٍّ واحترامٍ للمنتسبين لأهل البيت عليهم السلام ، فقد ظهرت بيوتات علميّة جديدة في الفلاحيّة ، وقصدها العلماء والْأُدباء والشعراء ، وكان البلد كثير الخيرات وافر الأرزاق فانجذبت نحوه نفوس الشيعة .
ويُذكر أنّ أُمراء الكعبيّين راسلوا جماعة من علماء النجف الأشرف ، وطلبوا منهم القدوم إلى الفلاحيّة بأهليهم وعيالهم وضمنوا لهم القيام بكلّ متطلّباتهم وشؤون حياتهم ، خدمةً للدين وحُبّاً لنشر العلم ، وكان لأحدِ أُمرائهم ـ وهو الشيخ بركات بن عثمان بن سلطان بن ناصر الكعبي الدورقي ، المتوفّى سنة ١١٩٧ هـ ـ خزانة كتب كبيرة في الفلاحيّة تضُمُّ أُمّهات الكتب وفي الفقه والحديث والتفسير والأدب والتاريخ وغيرها ، وقد فوّضَ أمرها إلى العلّامة الشيخ خلف العصفوري ، المتوفّى سنة ١٢٠٨ هـ .
وكان
الشيخ خَلف هذا من كبار علماء الشيعة ، وهو ابن أخ العلّامة المحدّث