ولئن كان التوسّع في تحقيق التُراث ونشره ، والاستفادة من إمكانات العصر الحاضر في هذا السبيل ، أمراً يبعث على الأمل ، لكنّ ما يُرى من العبث بالكتاب ، والتراث منه بخاصّة ، وما تَطالُ الأيدي عليه باسم التصحيح ، ولكنّه التصحيف والتحريف ، وباسم التحقيق ، لكنّه التخفيق والتزييف .
إنّ هذا التعدّي على الكتاب الإِسلاميّ ـ والتراث منه بخاصّة ـ لهو ممّا يزري بكرامة العلم والعلماء ، وبحرمة التراث والثقافة والحضارة الإِسلامية في ماضيها ومستقبلها .
مع أنّ الإِقدام على الطبع بذلك الشكل السيّئ ـ مضموناً ، لا إخراجاً ـ يعدّ كفراً بأنعم الله ، وتضييعاً للوقت والجهد ، وتبذيراً للأموال والأعمال !
وبين هذه الأتراح وتلك الأفراح ، وهذه الاثقال وتلك الآمال ، وهذه الخسارات وتلك البشارات ، فلا يُستثنى التراث ولا التراثيّون من التعرّض لمشاكل الحياة العامة والخاصة ، كما لا يُستثنيان ـ هو وهم ـ من القوانين المعقّدة العامة والخاصة ، ولا الإِرادات العامة والخاصة ، التي تعترض طريق العمل التراثيّ وتعوق مسيرته ، ونشره ، وتحقيقه .
وبين كلّ الذي جرى ويجري فإنّ « التُراث الإِسلاميّ » هو العملاق الصامد ، الذي لا يخبو نوره ، ولا يُنكر فضله ، ولا يزول أثره ، ولا يزال مجيداً وعظيماً ومفيداً وكريماً . . بالمجد الذي كتبته له القرون ، والعظمة المستلهمة من الإِسلام ، والفائدة التي يفرضها العقل والتدبير ، والكرامة لأُمّتنا ، في ماضيها ومستقبلها . فإنْ كنّا أغنياء في فكرنا إلى هذا الحدّ ، فما لنا لا نبني مستقبلنا على ذلك ، ونستضيء بنور التراث في طريقنا لنسير عليه في هذا العالم المليء بالظلمات ، ظلمات الظلم والجور ، وظلمات العقيدة والفكر .
وإذا كنّا نحمل بأيدينا مصباحاً غالي الثمن ، يحمل تلك القدرة الفائقة على الإضاءة وإراءة الهدىٰ ، فلماذا نبقى ـ على التلّ ـ تائهين ، متردّدين ، بين الأفكار المستوردة من هنا وهناك ، والأحزاب والنظريّات السائبة والهزيلة ؟ ! !