قاطع على عدم صحة الصلاة في كل مسجد بني إضرارا بالمسلمين ، وتفريقا لكلمتهم ، وان من صلى فيه فصلاته باطلة ، وعليه أن يعيدها في مكان آخر ، لأن النهي في العبادة يدل على الفساد.
(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ). قيل : ان المراد به مسجد رسول الله (ص) لأنه هو الذي بني من أول يوم بالمدينة. وقيل : بل مسجد قبا الذي بناه بنو عمرو بن عوف .. وقبا موضع في جنوب المدينة ، ويبعد عنها حوالي ميلين ، والظاهر ان المراد به كل مسجد بني على التقوى ، لأن (مسجدا) نكرة منوّنة ، وهي لا تختص بواحد معين ، وقوله : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) معناه انه بني للإسلام منذ اللحظة الأولى لوجوده وبنائه ، وأحق هنا بمعنى حقيق وجدير ، وليست للتفضيل ، لأن مسجد الضرار لا تصح الصلاة فيه بحال.
(فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) أي ان هذا المسجد الذي أسس على التقوى يؤمه المخلصون للصلاة وعبادة الله ، لا للنفاق والتآمر على الإسلام ونبيه كالذين يؤمون مسجد الضرار .. وعبّر سبحانه عن الصلاة هنا بالطهارة لأنها تطهر من الذنوب ، فقد جاء في الحديث : «ان الصلاة كالنهر الجاري ، من اغتسل فيه كل يوم خمس مرات لم يبق في بدنه شيء من الدرن كذلك من صلى كل يوم خمس مرات لم يبق عليه شيء من الذنوب». هذا ما فهمناه من الآية ، مع الاعتراف بأن أحدا من المفسرين لم يفسر الطهارة بالصلاة ـ كما نعلم ـ وان أكثرهم او الكثير منهم فسرها بطهارة الغائط بالماء.
(أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). بيّنا معاني المفردات في فقرة اللغة ، والمقصود من الآية بيان الفرق بين مسجد التقوى ، ومسجد الضرار ، فإن بنيان هذا لا ثبات له ، وسرعان ما ينهار بأهله في نار جهنم ، تماما كالذي بني على حافة النهر أو في معرض السيل ، أما بنيان مسجد التقوى فثابت الأساس لا يزعزعه شيء ، واهله في أمن وأمان ، فالآية نظير قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ)