سببه الأول ، وخالق الكون بما فيه.
ولا بد من الاشارة إلى ان القرآن ينظر إلى الإنسان من خلال عقيدته وسلوكه ، بماذا يؤمن؟ وما ذا يعمل؟. وهذه النظرة نتيجة لازمة لطبيعة القرآن من حيث انه كتاب دين وهداية. وعلى هذا الأساس يحكم على الإنسان بأنه صالح أو طالح طيب أو خبيث. ومعلوم ان العقيدة التي دعا اليها هي الايمان بالله ورسله واليوم الآخر ، وان العمل الذي امر به هو العمل الصالح : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ـ ٧ البينة» .. وبكلمة ان الإسلام يوجه الإنسان إلى الغاية التي يجب أن يكرس حياته من أجلها ، فإن انحرف عنها نعته القرآن بأقبح الأوصاف كالظالم والخاسر والكافر والجاهل والطاغي والكنود ، وما إلى ذلك من الرذائل.
ان هذه الأوصاف ليست تحديدا لطبيعة الإنسان وماهيته ، وانما هي تفسير لسلوكه في بعض مواقفه ، ويدلنا على ذلك ان كل صفة ذكرها القرآن مقرونة بحادثة من الحوادث ، فلقد وصف الإنسان باليأس إذا نزلت به نازلة ، وبالفرح والبطر إذا استغنى ، وبالجزع والهلع إذا مسه الضر ، ونحو ذلك. وقد خفيت هذه الحقيقة على كثيرين ، وظنوا ان هذه الأوصاف وردت في القرآن تحديدا لحقيقة الإنسان وماهيته وأخذوا ينعتونه بها في غير المناسبات التي جاءت في كتاب الله .. ولو صدق ظنهم لما جاز أن يؤاخذ الله على الكفر والطغيان ، وكان قوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) تكريما للكفر والظلم .. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وعلى هذا يكون المراد بالإنسان في قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ) من لا يؤمن بالله ، أو آمن به نظريا لا عمليا ، لأن من آمن به حقا فإنه يتوكل عليه وحده في جميع حالاته ، ويشكره في السراء والضراء ، ويخشى ويتواضع إذا استغنى ، ويصبر ويرجو إذا افتقر ، فإن الايمان نصفان : نصف خوف ، ونصف رجاء.
والذي يؤكد ان المراد بالإنسان من ذكرنا ، وليس مطلق الإنسان قوله تعالى بلا فاصل: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).