وهي السورة التي نفسرها : «وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم اقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا الى حين». وأجمع الآيات لفوائد الأنعام ما مر مع التفسير في أول هذه السورة ، وهو قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ).
وذكر ، جلت حكمته ، هنا من فوائد الأنعام اللبن بالخصوص ، وقال : انه يخرج من بطون بعض الأنعام أي الإناث ـ أنظر فقرة «الإعراب» ـ وانه مستخلص من بين فرث ودم ، والفرث ما يبقى في الكرش بعد الهضم ، ويقول العارفون : ان الحيوان يأكل النبات ، وبعد الهضم تطرد امعاؤه الفضلات الضارة الى الخارج ، وتمتص العصارة النافعة التي تتحول الى دم يسري في العروق والغدد حتى إذا وصل بعض هذا الدم الى الغدد التي في الضرع تحوّل الى لبن خالص سائغ للشاربين.
(وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). الظاهر من السكر هنا كل شراب مسكر خمرا كان أو غيره .. ولكن الآية لا تومئ من قريب أو بعيد الى حكم المسكر ، وانه كان حين نزول هذه الآية حلالا أو حراما ، وانما حكت الآية عن عادة الناس من انهم يتخذون من ثمرات النخيل والأعناب شرابا مسكرا ، أما الرزق الحسن فالمراد به التمر والرطب والزبيب والعنب والخل والرب ، وما إلى ذلك. وجاء في بعض الروايات ان المقصود بالسكر في الآية ما كان حراما وبالرزق ما كان حلالا .. وتكلمنا مفصلا عن الدليل على تحريم الخمر عند تفسير الآية ٢١٩ من سورة البقرة ج ١ ص ٣٢٨. وفي الجزء الرابع من كتاب فقه الإمام جعفر الصادق ، باب الأطعمة والأشربة.
(وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) المراد بالوحي هنا الفطرة التي منحها الله للنحل (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) أي مما يرفع الناس من الكروم ، قال الرازي : النحل نوعان : نوع يسكن في الجبال والغياض ، ولا يتعهده أحد من الناس ، وهو المراد بقوله : «ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن