أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً). ويتلخص المعنى بأن أخسر الناس صفقة ، وأخيبهم سعيا هو الجاهل المركب الذي يرى جهله علما ، وشره خيرا ، وإساءته إحسانا .. وليس من شك ان هذا خائب خاسر في الدنيا لأنه يعيش في غير واقعه ، وهو كذلك في الآخرة لأنه يلقى الله غدا بالجهل والغرور وسوء الأعمال.
وتومئ الآية الى ان قيمة الإنسان الحقيقية لا تقاس بنظرته الى نفسه ، لأن الخصم لا يكون حكما ، ولا بنظرة الناس اليه ، لأنهم يسعون الخائبين والمنافقين عمليا ، وان ضاقوا بهم نظريا ، وانما تقاس قيمة الإنسان بقيم القرآن ومبادئه ، والالتزام بتعاليمه وأحكامه ، تقاس بالصدق والعدل ونصرة الحق وأهله ، والتضحية في سبيل ذلك بالنفس والمال ، والقرآن الكريم مليء بهذا النوع من التعاليم ، مثل قوله تعالى : (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .. كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ .. كُونُوا أَنْصارَ اللهِ .. كُونُوا رَبَّانِيِّينَ .. جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ). وفي قوله : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) ، غنى عن كل شاهد.
وتسأل : ان المخطئ يرى نفسه مصيبا ، وانه قد أحسن صنعا باصابة الواقع ، فينبغي أن يكون من الأخسرين أعمالا ، مع انه لا عصمة إلا لمن له العصمة؟. الجواب : ان المخطئ على قسمين : الأول أن يخطئ بعد البحث والتدقيق ، تماما كما يفعل الأكفاء بحيث تكون النتيجة التي توصّل اليها هي غاية ما يمكن أن يتوصل اليها العالم المجد .. وليس من شك ان هذا المخطئ ليس من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا ، وان خطأه لا عيب فيه ، بل ان صاحبه مأجور على ما بذل من جهد ، كما جاء في الحديث الشريف ، على شريطة أن يكون على نية الرجوع عن خطئه متى انكشف له الصواب.
القسم الثاني : أن يخطئ لأنه جزم وحكم بمجرد الحدس والوهم ، وقبل أن يبحث ويلاحظ ، لأنه يجهل أصول البحث والملاحظة العلمية ، أو يعرفها ولم يستعملها إطلاقا ، أو استعملها ناقصة ، فحكم قبل أن يستكمل ويستوعب جميع الملاحظات ، وهذا المخطئ من الأخسرين أعمالا ، ما في ذلك ريب ، لأن الله سبحانه أمر بالتدبر والتثبت ، ونهى عن التسرع والقول بغير علم.
وبعد ، فإن الدرس الذي يجب أن نستفيده من هذه الآية هو أن نكون صادقين مع أنفسنا ، فلا نصفها بغير ما هي فيه ، ولا نخدعها بالقول الكاذب .. وأيضا