وتسأل : لما ذا خص الله يحيى بهذه الصفات الجلى ، وهو صبي؟.
الجواب : ان لله شئونا في خلقه ، فقد يمنح الفضل للصغار ، ويمنع الكبار منه ، ولكلّ من عطائه ومنعه حكمة قد تدركها العقول ، وقد تعجز عن إدراكها .. ولكنها تحاول ، وغير بعيد أن يكون القصد من اتصاف يحيى بهذه الصفات في مثل سنه هو إلقاء الحجة على بني إسرائيل إذا اختلفوا فيه ، ولم يستجيبوا لنصحه ودعوته ، وقد خلق الله عيسى من غير أب (لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا) وتأتي هذه الآية في المقطع التالي.
وبرغم هذه الحجة الدامغة فقد عصوا يحيى وتمردوا عليه ، وأخيرا قتلوه وقتلوا أباه ، لا لشيء إلا لنهيهما عن المنكر .. ولا يكثر هذا على من قال عن الله : يداه مغلولتان .. هو الفقير ونحن الأغنياء.
وفي قصص الأنبياء ان هيرودوس حاكم فلسطين آنذاك عشق هيروديا بنت أخيه لجمالها ، وعزم على الزواج منها ، ولما أنكر ذلك يحيى سخطت عليه هيروديا ، واشترطت على عمها أن يكون رأس يحيى مهرا لها ، فذبحه وأهداها الرأس .. واشتهرت الرواية عن علي بن الحسين بن علي (ع) : ان أباه حين توجه الى العراق كان يكثر من ذكر يحيى ، ويقول: من هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا اهدي الى بغي من بغايا بني إسرائيل.
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧) قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ