يكون الله سبحانه قد ألهمها الى هذه الخلوة ليعلمها جبريل بولادة عيسى (ع) ، وهي في معزل عن الناس.
(فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا). المراد بروحنا جبريل ، وقد تمثل أمامها في صورة انسان تام الخلقة. وفي بعض التفاسير انه جاءها في صورة الإنسان لتأنس به ، وفي تفسير ثان انها خافت منه وذعرت لهذه المفاجأة .. غريب يقتحم عليها من غير استئذان ، وهي في عزلتها؟. ان هذا لشيء مريب .. وهذا القول أرجح وأصح بدليل انها فزعت و (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا). استجير بالله من شرك ان كنت تؤمن به وبحسابه وعذابه ، خوّفته من الله لأنها لا تملك وسيلة لردعه في مقامها هذا سوى التخويف من الله ، وإلا فهي مستجيرة بالله متوكلة عليه ، سواء أكان الذي خافته تقيا ، أم شقيا.
(قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا). تبشرني بغلام؟. كيف؟. ومن أين؟. ولا زوج لي ، ولا اقدم على الخيانة والفجور .. (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا). قال لها الروح الأمين : ان أسباب الولادة لا تنحصر عند الله بالمضاجعة والمواقعة ، فكما أوجد الأشياء بأسبابها المألوفة فانه يوجدها أيضا بكلمة «كن» تماما كما أوجد الكون من لا شيء ، وآدم من غير أب وأم .. وقد شاء سبحانه أن يجعل مولودك دليلا واضحا على عظمة الخالق ، ونبوة المولود ، وان يكون رحمة للانسانية ، وحجة دامغة على بني إسرائيل الذين حاولوا قتله. وشرحنا ذلك مفصلا عند تفسير الآية ٤٥ وما بعدها من سورة آل عمران ج ٢ ص ٦١.
(فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢) فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها