وهو يشرح ويوضح مسألة هامة من مسائل أصول الفقه ، وبعد أن أيقن واطمأن الى تفهم الجميع ختم الدروس .. ولكن سرعان ما فوجئ باعتراض من أحد التلاميذ ، وكان اعتراضه بعيدا كل البعد عن موضوع الدرس .. فأعرض عنه الأستاذ ، ونظر الى سائر التلاميذ وقال : كان فيما مضى تلميذ يدرس الصوم وأحكامه ، واستمر في دراسته أكثر من شهر ، وبعد الانتهاء من دراسته ظن الأستاذ ان تلميذه قد أحاط علما بالصوم من كل جهاته ، ولكن التلميذ قال للأستاذ : انك تكلمت وأطلت الشرح عن الصوم ، ولكن لم نفهم هل الصوم في الليل أو في النهار؟.
وهذا بالذات ما حصل لإبراهيم مع أبيه .. فبعد أن أورد له الأدلة بأساليب شتى ، واستعطفه بقوله : يا أبت أربع مرات أجابه بقوله : أراغب أنت عن آلهتي؟ وهل أنت عازم حقا على أن لا تعبدها معي؟ فإن كنت على هذا العزم فما لك عندي إلا القتل أو الرجم ، أو تغيب عن عيني ، وتهرب بنفسك.
(قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا). أي ان الله عوّده على أن يستجيب له. تقدم نظيره في الآية ١١٤ من سورة التوبة ج ٤ ص ١١٠ (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا). بغض ابراهيم قومه وأهله في الله ، وهجرهم لله ، فأبدله سبحانه خيرا منهم ، حيث وهبه اسحق ، ومن بعده يعقوب بن اسحق ، وشرفهما بالنبوة. وهذا هو المراد بقوله تعالى : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا). وما ترك أحد شيئا من أمور دنياه لاستصلاح دينه إلا عوضه الله خيرا منه.
(وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) لم يذكر سبحانه نوع الموهوب ، لأن كلمة رحمتنا تومئ اليه ، وكفى بمرضاة الله هبة ونعمة (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا). المراد بلسان الصدق ما يردده الناس جيلا بعد جيل من حسن الثناء على ابراهيم واسحق وإسماعيل ويعقوب.
وترتكز هذه الآيات على ان من أخلص الله استخلصه الله ، وكان معه أينما كان تماما كما فعل بإبراهيم (ع).