تعالى ملكه واستيلاؤه ، وان الآية تدل على ان الماء كان موجودا قبل خلق السموات والأرض. وفي أقوال أهل البيت (ع) ان الماء أول ما خلق الله. وإذا كان العلم لم يتوصل بعد الى هذه الحقيقة ، فمن الجائز أن يتوصل اليها في الغد القريب أو البعيد.
ونقل أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط ان حميدا قرأ وجعلنا من الماء كل شيء حيا بنصب حي مفعولا ثانيا لجعلنا ، وهذه القراءة تؤيد القول : ان الله سبحانه أول ما خلق الماء ، وانه المصدر الأول الذي تكونت منه الموجودات ، وان كل كائن هو حي في حقيقته وواقعه ناميا كان أو غير نام ، وان بدا جامدا في ظاهره (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) بعد هذه الدلائل والبينات.
(وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ). وفي الآية ٢٠ من سورة نوح : (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) بتقديم سبل على فجاج ، والمعنى واحد ، وهو ان الله سبحانه جعل في الأرض طرقا واسعة ليسلكها الناس الى مقاصدهم. وتقدم نظيره في الآية ١٧ من سورة النحل ج ٤ ص ٥٠٠.
(وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ). السقف على حذف كاف التشبيه أي كسقف ، ثم حذفت الكاف وانتصب سقف بنزع الخافض. والمراد بالحفظ هنا بقاء الكواكب في أماكنها بفعل الجاذبية ، قال تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) ـ ٦٥ الحج. وأسند الإمساك اليه سبحانه لأنه سبب الأسباب ، والمعنى ان هذا النظام الدقيق في خلق السموات دليل قاطع عند أولي الألباب على وجود الخالق ووحدانيته وقدرته وعلمه وحكمته ، ولكن أكثر الناس معرضون عن آيات الله ودلائله منصرفون الى أهوائهم وملذاتهم.
(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ). لكل من الليل والنهار والشمس والقمر صلة وثيقة بحياة الإنسان ، فالنهار لكده وعمله ، والليل لراحته وهدوئه ، والشمس والقمر للضياء والحساب وغيره من الفوائد ، وفي ذلك نعمة كبرى على جميع عباد الله وحجة بالغة على عظم سلطانه (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ). كل كوكب يدور على قدر ، ويتحرك بحركة تلائمه.