ومن يكفر بالله فجزاؤه جهنم وساءت مصيرا (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ). خسر الدارين حيث أصابه في الأولى البلاء والضراء ، وقدم في الآخرة على ربه كافرا به ، وأي خسران أعظم من الفقر في الدنيا ، والعذاب في الآخرة .. وأوضح تفسير لهذه الآية ما روي : ان بعض الأعراب كانوا يقدمون على النبي (ص) مهاجرين من باديتهم ، وكان أحدهم ان كثر ماله صلى وصام ، وان أصيب به ، أو تأخرت الصدقة عنه ارتد عن الإسلام .. وقد شاهدت ما يشبه هذا من بعض القرويين أيام عشت بين ظهرانيهم.
وبعد ، فان المؤمن حقا هو الذي يخلص لله ، ويثق به في جميع حالاته ، يصبر عند الشدة ، ويشكر عند الرخاء ، وفي نهج البلاغة : لا يصدق ايمان عبد ، حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يده.
(يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ). تقدم هذا المعنى في العديد من الآيات ، بالاضافة الى وضوحه (يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ). المولى الناصر والعشير الصاحب.
وتسأل : نفى سبحانه في الآية الأولى الضر والنفع عن معبود المشركين ، ثم أثبتهما له في الآية الثانية ، غاية الأمر أنه تعالى جعل الضرر أكثر وأقرب من النفع ، فما هو وجه الجمع بين الآيتين؟
الجواب : المراد بالمعبود في الآية الأولى الأحجار ، وهي لا تنفع ولا تضر ، والمراد به في الآية الثانية طاعة الزعماء الطغاة ، ومناصرتهم بقصد الربح والمنفعة ، وأعظم منفعة في الحياة الدنيا لا تعد شيئا بالنسبة الى غضب الله وعذابه .. وبتعبير ثان انهم أطاعوا المخلوق في معصية الخالق لمآرب دنيوية وما دروا ان عذاب الله أشد وأعظم.
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) واضح وتقدم في الآية ٢٥ من سورة البقرة (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من ثواب الأخيار وعقاب الأشرار ، فلقد سبق في حكمه وقضائه ان يكافئ الذين أحسنوا بالحسنى ، والذين أساءوا بما كانوا يعملون.