فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) ـ ٤٦ الأنفال وقال : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ـ ٦٠ الأنفال. وفي الفتوحات المكية عبّر محيي الدين ابن عربي عن هذه الأسباب بأيدي الله ، وقد أخذ هذا التعبير من قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ) ـ ٧١ يس. انظر ما كتبناه بعنوان : «الدين لا ينبت قمحا» ج ٣ ص ٤٤٩.
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ). كان المسلمون في مكة مستضعفين يلاقون أنواع الأذى والعنف من المشركين ، ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ، فكانوا يأتون النبي (ص) ويتظلمون اليه ، وهو لا يملك لهم إلا الوصية بالصبر ، وكان يقول لهم فيما يقول : «اني لم أؤمر بقتال» بل نهى (ص) عن قتال المشركين في أكثر من سبعين آية ، وهو بمكة ، لأن القتال آنذاك كان أشبه بعملية انتحارية. انظر تفسير الآية ٧٧ من سورة النساء ج ٢ ص ٣٨١. وبعد ان هاجر النبي الى المدينة ، وأصبح للمسلمين شوكة وقوة نزلت هذه الآية ، وهي أول آية أذن فيها للمسلمين بالقتال ـ على ما قيل ـ وقد بيّن سبحانه سبب هذا الاذن بأن المشركين اعتدوا على المسلمين وأخرجوهم من ديارهم ظلما وعدوانا ، ووعد المسلمين بالنصر والظفر بأعدائهم ، حيث قال : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ). ظاهر الآية يدل على ان الذنب الوحيد للنبي (ص) والصحابة عند المشركين هو قولهم : لا إله إلا الله. وبهذا الظاهر أخذ جميع المفسرين ، بل قال أحد المفسرين الجدد ما نصه بالحرف : «لا صراع على عرض من أعراض هذه الحياة التي تشتجر فيها الأطماع ، وتتعارض فيها المصالح ، وتختلف فيها الاتجاهات ، وتتضارب فيها المطامع». وقد أشرنا فيما تقدم أكثر من مرة الى ان طغاة الشرك حاربوا رسالة محمد (ص) وكلمة التوحيد لأنها تقضي على أطماعهم ومنافعهم ومصالحهم ، وتساوي بين الناس. انظر ما كتبناه بعنوان : «المصلحة هي السبب» في ج ١ ص ١٥٥ و ١٧٩.
(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ