يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً). بعد أن اذن سبحانه للمؤمنين المعتدى عليهم بقتال أهل الشرك المعتدين بيّن في هذه الآية السبب الموجب لهذا الاذن ، ويتلخص بأنه لو لا القوة الرادعة لسادت الفوضى وعم الفساد في الأرض بالسلب والنهب واراقة الدماء ، وبالخصوص بين الطوائف وأهل الأديان. وعبّر سبحانه عن الفتن بين الطوائف بهدم معابدها لأنها المظهر الديني لكل طائفة ، ولها علامات فارقة تميز أهل الأديان بعضهم عن بعض .. والصوامع للنصارى والبيع لليهود ـ أنظر فقرة اللغة ـ والصلوات على حذف مضاف أي مكان الصلوات ، والمراد بها معابد الطوائف الأخرى .. وتمتاز مساجد المسلمين عن معابد سائر الأديان بأن الصلاة تقام فيها خمس مرات في اليوم والليلة ، ولذا قال سبحانه : (يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً).
وقال جماعة من المفسرين : المراد من الآية ان الله يمنع المشركين بالمؤمنين ، ولو لا هم لهدم أهل الشرك معابد أهل الأديان .. وإذا صح هذا التفسير في وقت من الأوقات فانه لا يصح ولا يطرد في كل عصر ومصر ، والصحيح في معنى الآية ما قلناه من انه لا غنى عن القوة الرادعة لحفظ الامن والنظام ، سواء أكانت هذه القوة بيد المؤمن ، أم بيد الكافر بالله. قال الإمام علي (ع) : «لا بد للناس من أمير بر أو فاجر ، يعمل في إمرته المؤمن ، ويستمتع فيها الكافر ، ويبلغ الله فيها الأجل ، ويجمع به الفيء ، ويقاتل به العدو ، وتأمن به السبل ، ويؤخذ به للضعيف من القوي ، حتى يستريح به ، ويستراح من فاجر». وتجدر الاشارة الى أن الإمام قال هذا ردا على قول الخوارج : لا حكم إلا لله. أنظر ما كتبناه بهذا العنوان في ج ٤ ص ٣١٥.
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). هذا ترغيب في الجهاد لنصرة الحق وأهله (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ). المراد بالتمكين في الأرض الحكم والسلطان ، وقد أقسم سبحانه مؤكدا انه ينصر الحاكمين شريطة أن يجمعوا بين أمرين : الأول أن يؤدوا حق العباد لله كاملا في أنفسهم كالصوم والصلاة ، وفي أموالهم كالحج والزكاة ، وعبّر سبحانه عن العبادة البدنية بالصلاة ، والعبادة المالية بالزكاة.