إذا عجز المبطل عن المقاومة والدفاع .. انه يسكت مرغما ، وهو يذوب كمدا ، ويحاول ان يتماسك ويتمالك ويظهر بمظهر اللامبالاة ، ولكن تفضحه الدلائل التي تنعكس على صفحات وجهه ، ونظرات عينيه .. والإنسان قد يكذب ويخادع الناس في أقواله وأفعاله ، لأنه يتحكم بلسانه ويحركه كيف يشاء ، وأيضا يتحكم بيديه ورجليه ويحركها كما يريد ، وان كانت حركة اللسان أخف عليه وأيسر .. شيء واحد لا يمكن التحكم فيه والاملاء عليه ، وهو القلب سليما كان أو سقيما ، فإن أحب أو كره ظهرت الآثار على الوجه والعين جلية واضحة لا يخفيها الابتسام المصطنع ولا الكلام المعسول ، ومن أجل هذا كانت المقياس الصحيح لما في داخل الإنسان دون الأقوال وكثير من الأفعال.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ). بعد ان ذكر سبحانه ان المشركين أثبتوا لأصنامهم صفة الألوهية من غير دليل ـ ذكر في هذه الآية دليلا حسيا على نفي هذه الصفة ، يدركه الجهال والأطفال ، وهو ان الذباب أحقر وأضعف مخلوق ، ومع هذا لو أخذت ذبابة واحدة شيئا من الأصنام ، ثم اجتمعت الأصنام بكاملها وأعلنت الحرب على الذبابة لتسترد ما أخذته منها ، لو حصل ذلك لكانت الذبابة هي الغالبة ، والأصنام كلها مغلوبة ، وبالأولى ان لا تخلق ذبابة أو جناحها (ضَعُفَ الطَّالِبُ) وهو الأصنام (وَالْمَطْلُوبُ) وهو الذبابة .. اذن ، فكيف تكون الأصنام آلهة؟
وتسأل : ان الأصنام تحمل معها الدليل على انها ليست بآلهة ، فلما ذا اهتم القرآن بإيراد الأدلة على ذلك؟
الجواب : ان نفي الألوهية عن الأصنام من البديهيات في منطق العقل ، والذين عبدوها واتخذوها آلهة لم يعبدوها بدافع من العقل ، بل بدوافع أخرى كالتقليد والتربية والمصلحة ، وما إلى ذلك من الدوافع التي لا تبالي بالنقد مهما يكن صائبا.
شعرت ، وأنا أفسر آي الذكر الحكيم اني كلما تقدمت في التفسير فتح الله