(قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ) التجأ اليه تعالى وطلب منه النصر عليهم بعد يأسه من هدايتهم (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) كناية عن حفظه تعالى للسفينة ورعايته لها (وَوَحْيِنا) أي أمرنا (فَإِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ) أي نبع الماء من الأرض (فَاسْلُكْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ذكرا وأنثى (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) أي إلا امرأة نوح وابنه منها ، وقيل : اسمه كنعان (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) لا تسألني نجاة أحد من الكفرة الفجرة لأن كلمة العذاب حقت عليهم جميعا حتى امرأتك وولدك.
(فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) استقر بكم الحال ، وأنتم في السفينة (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). في هذه الآية درس هام ، وهو ان الله سبحانه إذا أهلك الطاغية فلا ينبغي ان يشمت المظلوم بهلاك ظالمه ، بل يحمد الله سبحانه على خلاص الناس من بغيه وطغيانه ، وان ينظر الى هلاكه على انه وسيلة لا غاية (وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ). انزلني من السفينة وعند خروجي منها منزلا تحفظني فيه من كل سوء أنا وأهلي ومن آمن بك ، وأنت خير من أنزل عباده بأحسن المنازل (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ). ذلك اشارة الى إهلاك قوم نوح ، ونجاته مع من آمن به ، والمراد بالآيات هنا العبر والعظات لمشركي قريش وغيرهم (وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) أي انّا قد اختبرنا العباد بإرسال الرسل وانزال الكتب ليتميز الخبيث من الطيب ، وتتجلى للعيان نوايا وأفعال كل منهما ، فيثاب أو يعاقب باستحقاق.
(ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا