وبرفعها بناؤها .. بعد ان ذكر سبحانه أنه يهدي لنوره من يشاء ذكر المساجد وانه تعالى قد رخص ببنائها لأن المؤمنين يعمرونها بالصلوات صباحا ومساء (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ). التجارة والبيع هنا كناية عن مطلق العمل للدنيا من أي نوع كان ، وإنما خص التجارة بالذكر لأنها أكثر ربحا وأقوى صارفا من جميع الأعمال ، والمعنى ان المؤمنين يعملون للدنيا في الأسواق والحقول والمصانع وغيرها ، وأيضا يعملون للآخرة ، فيصلّون ويصومون ويزكون ويحجون ، ولا تشغلهم الدنيا عن الآخرة ، ولا الآخرة عن الدنيا عاملين بقوله تعالى : (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) ـ ٧٧ القصص.
(يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) هذا كناية عن هلع المجرمين وفزعهم ، أما الطيبون فهم بأمان من الفزع الأكبر (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) من الصالحات والمبرات ، قال الإمام علي (ع) : لن يفوز بالخير إلا عامله ، ولن يجزى جزاء الشر إلا فاعله (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أضعافا مضاعفة (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي بغير استحقاق ، بل تفضلا منه وكرما. قال صاحب الأسفار : من خلت صحيفته من السيئات دخل الجنة بغير حساب ، ومن خلت صحيفته من الحسنات دخل النار بغير حساب ، وأما الذين يحاسبون فهم الذين خلطوا عملا صالحا ، وآخر سيئا.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ