تهديد لكل من بدّل نعمة الله كفرا ، وفي نهج البلاغة : أقل ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنعمته على معاصيه.
في ج ١ ص ٦٥ فقرة «سر الاعجاز في القرآن» أشرنا اشارة سريعة الى أقوال العلماء في اعجاز القرآن ، وعند تفسير آية المباهلة ٦١ من سورة آل عمران قلنا : ان إقدام النبي (ص) على المباهلة واثقا بالنصر الذي أخبره به القرآن ، وتحققه كما أخبر ، ان هذا من أعظم الأدلة على صدق القرآن ومن أوحي اليه ، وعند تفسير الآية ٥٣ من سورة النساء قلنا : ان كشف القرآن عن طبيعة اليهود ، وأنهم لو ملكوا لفعلوا كما فعلوا الآن بفلسطين ـ دليل قاطع على اعجاز القرآن وصدقه ، حيث تحقق ما أخبر به بعد أكثر من ألف وثلاثمائة سنة.
والآن ، ونحن نفكر في تفسير هذه الآية : وعد الله الذين آمنوا الخ تنبهنا الى وجه آخر لاعجاز القرآن ، وهو ان كلمات القرآن عربية تتداولها الناس كتابة ومشافهة قبل القرآن وبعده ، ولا تختلف عن غيرها في الحروف والتركيب ، ومع ذلك فان الجملة من القرآن تتحمل من المعاني الكثيرة ما لا تتحمله في غير القرآن حتى الحديث النبوي يفقد هذه الميزة ، ولذا قال الإمام علي (ع) لابن عباس : لا تخاصم الخوارج بالقرآن ، فان القرآن حمّال ذو وجوه تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنة ، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا.
والسر في ذلك يكمن في سعة المتكلم ، لا في سعة الكلام نفسه ، وإلا لجاء على نسق واحد في القرآن وغير القرآن .. ان الكلام جامد لا حياة فيه ، والمتكلم هو الذي يبعث فيه الحياة والإيحاء ، ومن هنا اختلف ايحاء الكلام باختلاف المتكلم ، فان ما يوحيه كلام العالم غير ما يوحيه كلام الجاهل ، وان تشابهت الجمل والكلمات ، حتى آيات القرآن يختلف ايحاؤها باختلاف من يتلوها .. وكذلك الحال بالنسبة الى كلام المخلص والمنافق .. وعلى هذا فإن اتساع القرآن للعديد من الوجوه والمعاني دليل قاطع على انه ممن وسع كل شيء علما.