مفضوحة ، وتناقض ظاهر بينها وبين السخرية من محمد .. سخروا منه ، واعترفوا له بقوة الحجة في آن واحد .. وهكذا كل مبطل : تتضارب أقواله من حيث لا يشعر .. والسر ان الحق يفرض نفسه ، ويبرزها جلية واضحة في أقوال المعاندين والجاحدين رغم أنوفهم.
(وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً). قالوا : كاد محمد يضلنا. فأجابهم سبحانه : ستعلمون غدا يوم تواجهون الهول الأكبر انكم الضالون الخاسرون ، لا محمد ومن آمن به (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ). كل من تغلب هواه على دينه فقد اتخذ إلهه هواه ، أراد ذلك أم لم يرد ، ومن كان كذلك فلا أمل في هدايته ، لأن كل آية لا تعكس رغبته وهواه فهي عنده سخف وهراء (أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) تحفظه من الضلال والفساد؟ دعه فلا خير فيه ، وقد أنذرت وأعذرت ، وعلينا حسابه وعقابه.
(أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً). قال سبحانه : أكثرهم ، لأن البعض منهم عاندوا في البداية ، ثم رجعوا عن ضلالهم ، وآبوا الى رشدهم ، وانقادوا الى الحق ، وأبلوا البلاء الحسن في سبيل الله ، ونفى جل وعز السمع والعقل عن الذين أصروا على الجحود والضلال لأنهم لم ينتفعوا بأسماعهم وعقولهم ، وكل ما لا جدوى من وجوده فهو بحكم العدم ، وشبههم ، جلت حكمته ، بالأنعام لأنهم لم يتدبروا الأدلة والبراهين ولم يتعظوا بالحكمة والعبر ، بل هم أضل من الأنعام لأن الأنعام تؤدي ما عليها كاملا بحسب تكوينها وخصائصها ، وتنقاد الى صاحبها أمرا وزجرا ، وتعرف ما يضرها فتتقيه ، وما ينفعها فتبتغيه ، وهم لا يؤدّون ما عليهم ، ولا ينقادون لخالقهم ، ولا يتقون عذابه ، ولا يعملون لثوابه .. وفوق هذا كله فان الأنعام والبهائم لا تضر أحدا من جنسها وغير جنسها ، بل ينتفع الناس بظهورها وألبانها وأصوافها ، أما أهل الفساد والضلال فإنهم شر ووبال على مجتمعهم ، وسبب لأدوائه وبلائه ، ومصدر لتأخره وانحطاطه.