(وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً). قبل ان يبعث الله محمدا (ص) جعل لكل أمة رسولا : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) ـ ٤٧ يونس ، ومنذ عهد محمد (ص) الى آخر يوم أقفل سبحانه باب إرسال الرسل الى الخلائق ، واكتفى برسول واحد لجميع الأمم في جميع الأجيال ، وهو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله ، فدينه هو الدين الأخير للانسانية كلها ، ومن أجل هذا أخذ الله عهدا على كل نبي أن يبشر به وبصفاته : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) ـ ٨١ آل عمران ج ٢ ص ٩٨. وليس فوق هذه المنزلة إلا الله وحده ، وقد ذكر الله صاحبها بهذه النعمة العظمى حيث قال له : (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً) ولكنا لم نفعل ، وأوكلنا إنذار الأمم كلها اليك وحدك تعظيما لشأنك لأن العظمة على مقدار التكليف وثقله.
(فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً). الخطاب في لا تطع لرسول الله (ص) ، ويجوز النهي عن الشيء حتى مع العلم بأن المكلف لا يفعله إطلاقا ، وبالخصوص إذا كان الناهي هو الله تعالى ، وضمير به يعود الى القرآن ، والمعنى لا تستجب يا محمد لشيء مما يدعوك اليه الكافرون ، ولا تدع فرصة إلا وبلّغت القرآن ، وتلوته على مسامعهم ، أحبوا ذلك أم كرهوا ، وإذا لاقيت منهم الأذى في هذه السبيل فاصبر ، ولا يصدنك أذاهم عن إعلانه واذاعته ، فإن إذاعة آيات الله هي الجهاد الأكبر في سبيل الحق والانسانية.
وليس الغرض من هذا التأكيد والترغيب هو تحدي العتاة والطغاة ببلاغة القرآن وكفى ، وانما الغرض توعية المستضعفين والجاهلين ، وإرشادهم الى حريتهم التي اعتدى عليها الأقوياء ، وان العدالة والمساواة حق إلهي وطبيعي لكل فرد ، وانه لا قوي ولا غني ولا شريف إلا بالتقوى والعمل الصالح ، وان القرآن هو الذي يضمن هذا الحق ، ولا يؤدي تأديته في ذلك دين ولا شريعة إلا إذا قامت على