أجل ، كل شيء يسبح بحمد الله تعالى ، ما في ذلك ريب ، وتسبيح الشيء يختلف باختلاف صفاته وخصائصه ، فالعاقل يسبح الله بلسان المقال ، وغيره يسبحه بلسان الحال ، وبكلام آخر يسبحه بدلالة وجوده وصورته وأحكامه على وجود المصور الحكيم ، تماما كما يدل الرسم الجميل على وجود الرسام ومهارته ، ولسان الحال أقوى وأبلغ في الدلالة من لسان المقال ، لأن هذا يحتاج الى دليل ، أما الحال فهي بذاتها دليل يؤدي حتما الى العلم واليقين ، وتقدم الكلام عن ذلك عند تفسير الآية ١٤ من سورة الرعد.
(وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) لا يفقه الملحدون والمشركون تسبيحهم للانصراف عن الله وعظمته في خلقه ، أو لقصر النظر عن ادراك ما في الكون من عجائب وأسرار ، قال ابن عربي في الجزء الرابع من الفتوحات المكية ما تلخيصه وتوضيحه : ان لله آيات متنوعة ، منها ما يدرك بالعقل ، ومنها ما يدرك بالسمع ، ومنها ما يدرك بالبصر ، وعلى الإنسان أن يستعمل هذه الأدوات لمعرفه آيات الله التي ذكرها في كتابه ، ومتى علم وآمن بها وعمل بموجبها كان من أهل القرآن ، وأهل الله وخاصته .. ثم قال ابن عربي : خذ الوجود كله على انه كتاب ناطق بالحق عن الحق .. وهذا كقول أحد العارفين : ان لله كتابين : أحدهما ينطق بلسان المقال ، وهو القرآن ، والآخر ينطق بلسان الحال ، وهو الكون.
(وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ