(قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ) إبليس يحتجّ بصلف ووقاحة ، ويقول للعلي الأعلى : من هو هذا الذي فضلته علي؟. وبأي شيء جعلته أكرم وأكمل؟. بل العكس هو الصحيح (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) ـ ١٢ الأعراف .. برر الخبيث منطقه بأمر أرسله إرسال المسلّمات ، وهو أنه أفضل وأكمل ، وإذا كان إبليس أفضل فكيف يسجد للمفضول أي لمن هو دونه .. أليس معنى الأمر بالسجود لآدم ان المفضول مقدم عند الله على الأفضل ، وغير الأكمل على الأكمل؟.
وقد غالط إبليس في منطقه هذا لأنه ليس أفضل من آدم ، بل العكس هو الصحيح ، بل لا فضل له ولا فيه على الإطلاق ، وعليه فان الله لم يقدم المفضول كما زعم إبليس .. وأي عقل يجيز على الله أن يقرب الأبعد ، ويبعد الأقرب؟. وقد خفيت هذه الحقيقة على المعتزلة والأشاعرة ، حيث قالوا : يجوز تقديم المفضول على الأفضل (المواقف ج ٨ ص ٣٧٣).
وقال الأشاعرة : ان العقل يجيز على الله أن يعاقب المطيع ، ويثيب العاصي لأنه لا يقبح منه شيء ، ولا يجب عليه شيء (المواقف ج ٨ ص ١٩٥).
أما الشيعة الامامية فقالوا : ان العقل لا يجيز على الله ان يعاقب المحسن ، ويجيز عليه العفو عن المسيء ، تماما كما يجوز لصاحب الحق أن يعفو عنه كلا أو بعضا. وقالوا ايضا : لا يجيز العقل تقديم المفضول لأنه في رتبة ادنى ، والأفضل في رتبة أعلى بحسب الترتيب الطبيعي ، فجعل الأعلى أدنى ، والأدنى أعلى مخالف لمنطق العقل والطبيعة.
(لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً). إبليس يهدد بالانتقام لنفسه من ذرية آدم لا لشيء إلا لأن الله كرمه عليه ، ينتقم منهم بأن يقودهم معه الى معصية الله ، كما تقاد الدابة بحنكها إلا القليل منهم ، وهم من آمن وأخلص .. ثم يطلب إبليس من الله أن يمهله ويمد في حياته ليغوي ويفسد ، فاستجاب الله لطلبه و (قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً). لما هدد إبليس باغواء الآدميين هدده الله ومن اتبعه من الغاوين ، وقال له : افعل