ومكن له في القلوب البريئة الطاهرة (وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) وأي نصر وسلطان أعظم من ذكر النبي العظيم مقرونا باسم الله خمس مرات في الأذان وفي كل صلاة واجبة ومستحبة؟. وآية قوة وقداسة أعظم من هذه القوة والقداسة التي منحها الله لكلام محمد ، حيث قال عز من قائل : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) ـ ٧ الحشر».
(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً). الحق هو رسالة محمد عقيدة وشريعة ، وكل ما عداها باطل وهباء في الواقع وعند الله ، حتى ولو آمن به اهل الأرض جميعا. وقال المفسرون : المراد بالحق هنا الإسلام ، وبالباطل الشرك ، وان النبي (ص) لما فتح مكة دخل الكعبة ، وكان فيها ٣٦٠ صنما ، فجعل يطعنها ويقول : جاء الحق ، وزهق الباطل ، ان الباطل كان زهوقا.
وتسأل : ان ما نراه ونشاهده في أحيان كثيرة أن اهل الباطل هم الغالبون ، واهل الحق مغلوبون ، ويتنافى هذا مع ظاهر قوله تعالى : (إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)؟.
الجواب : ان للحق قوة ذاتية لا تنفك عنه بحال ، وهي تفعل فعلها ، وتؤثر أثرها في القلوب النقية الزاكية .. وكثيرا ما يبلغ هذا الأثر من النفوس الطيبة حدا لا تقوى على مقاومته سيوف الجلادين ، ومشانق الطغاة الجائرين .. وقد حدثنا التاريخ عن شهداء العقيدة : كيف اقدموا على الاستشهاد بوجوه باسمة ، ونفوس راضية ، بل حصل ذلك في عصرنا بفيتنام وكوريا وفلسطين وغيرها ، اجل ان هؤلاء قليلون شأن كل كريم وثمين ، ولو كانوا الأكثر عددا أو كثيرين ـ نسبيا ـ لامتلأت الأرض قسطا وعدلا ، وما كان للظلم والجور فيها عين ولا اثر ، ولسنا نشك ان الانسانية تسير في هذا الطريق وان طال ، ما دام الصراع قائما بين المحقين والمعتدين.
أما الباطل فلا حول له ولا طول ، وانما يستمد قوته وبقاءه من الرشاوات